قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، أن رسول الله صل الله عليه وسلم، قد دعانا إلى الاجتهاد، وشجَّع أصحابه الكرام على القيام به وأقرهم عليه، مضيفًا أن أول من قام بواجب الاجتهاد والتوقيع عن رب العالمين نيابةً عن رسول الله صل الله عليه وسلم، في أمته من بعده في الاجتهاد والفتيا، هم أصحابه الكرام الذين تحقق فيهم ما رواه الآجري في الشريعة عن إِبراهِيم بن عبد الرحمن العُذرِيِّ أن النبي صل الله عليه وسلم قال: “يتحمَّلُ هذا العِلمَ مِن كُلِّ خلفٍ عُدُولُهُ؛ ينفُون عنهُ تحرِيفَ الغالِين، وانتِحالَ المُبطِلِين، وتأوِيلَ الجاهِلِين”.
وأوضح فضيلة المفتي، في كلمته التي ألقاها خلال فعاليات مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الثالث والثلاثين، الذي تنظمه وزارة الأوقاف، بعنوان: “الاجتهاد ضرورة العصر” أنه مع تطور العصور والأزمان وتغير الواقع، أصبح العمل المؤسسي التخصصي سمة من سمات هذا العصر، وتطورت صور الاجتهاد، وإن ظل أصل مفهومه ثابتًا من حيث الماهيةُ، وهي بذل الوسع، ومن حيث الغاية، وهي تحصيل الظن بالحكم الشرعي، إلى أن ظهر -أو بالأحرى فرض نفسه- مفهوم الاجتهاد الجماعي، وهو عبارة عن اتِّفاق مجموعة من العلماء ضمن إطار مؤسسي متخصص على حكم شرعي في نازلة أو في بعض المسائل الظنية بعد النظر والتأمل في البحوث المقدمة والآراء المعروضة في المؤسسة الإفتائية أو المجمع أو ما شابه ذلك من مؤسسات.
وتابع فضيلة المفتي، أنه نظرًا لتطور علوم الواقع وتشعبها وكثرة النوازل المعاصرة، وطبقًا لقواعد العمل المؤسسي الحديث، فقد يدخل في عملية الاجتهاد الجماعي الاستعانة بتخصصات أخرى كالطب والهندسة والاقتصاد والاجتماع والسياسة، وما ذلك إلا لكي تبلغ صناعة الاجتهاد أقصى مداها الممكن في الإتقان وتحقيق الجودة لتصوير الواقعة وتكييفها تكييفًا صحيحًا مطابقًا للواقع، وهو ما يحقق معنى بذل الوسع الذي هو أصل الاجتهاد، ويجعل الاجتهاد محققًا لمقاصد الشريعة الإسلامية الغراء.
وأكد مفتي الجمهورية: أن “الاجتهاد الجماعي المؤسسي هو الاجتهاد الآمن الذي يحقق لنا مفهوم الفتوى الآمنة التي تدعم الأمن والسلامة والاستقرار للمجتمعات والشعوب، والاجتهاد الجماعي هو الضمانة الحقيقية لحماية الأمة من هجمات الفتاوى الشاذة والمتطرفة التي يطلقها بين الفينة والأخرى قوم تجرَّءُوا على الشريعة الغراء، فأفتوا بغير علم فضلوا وأَضَلُّوا بتلك الفتاوى الشاذة التي سببت كثيرًا من الفتن والاضطرابات والقلاقل في المجتمعات العربية والإسلامية حتى تسببت في تدمير دول وتشريد شعوب”، مشيرًا إلى أن الاجتهاد الجماعي المؤسسي هو الأمل في القضاء على مشروع الإرهاب الجماعي الذي تتبناه الجماعات المتطرفة التي جعلت من السيطرة على الحكم بأية وسيلة هدفًا أسمى مهما كلف ذلك من دماء وفتن وانقسامات، وقد أعاننا الله تعالى بفضل التعاون والتكاتف والتوافق على محاربة التطرف واقتلاع المشروع الإرهابي من جذوره، وتتبعه في معاقله الفكرية أصولًا وفروعًا.
وأضاف: “لقد منَّ الله تعالى علينا بفضل العمل المؤسسي الذي يفهم معنى الدولة ومعنى الوطن ومعنى العمل الجماعي، أن نحقق كثيرًا من الإنجازات الوطنية تحت قيادة الرئيس القائد عبد الفتاح السيسي الذي كانت لصيحاته المدوية المطالبة بالتجديد والاجتهاد أكبر الأثر وأعظمه في انطلاق مسيرة الاجتهاد الجماعي وتجديد الخطاب الديني وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وأصبحت الدولة المصرية راعية لأكبر مشروع معاصر لتجديد الخطاب الديني، وتخليص الأمة المصرية والإسلامية من أغلال التطرف والإرهاب التي كبَّلتها بها سنين طويلة جماعات العنف والتشدد بالمفاهيم المغلوطة حول أوهام أجادوا اختراعها وصياغتها حتى تغزوا العقول وتسيطر على الأفهام، مثل جاهلية المجتمع والحاكمية والعزلة وزعزعة الثقة بين المواطن وبين الدولة، إلى غير ذلك من المفاهيم التي عملنا على تصحيحها وبيان وجه الحق فيها بما يوافق الكتاب والسنة ومقاصد الشرع الشريف.
وأشار فضيلة المفتي، إلى أن دار الإفتاء المصرية لا زالت تتبنى عددًا من المشروعات الواعدة التي تحقق المزيد في مسيرة تجديد الخطاب الديني وتصحيح المفاهيم الخاطئة، ولا زالت أواصر المحبة والتعاون واتحاد الهدف الوطني والشرعي قائمة مستمرة مثمرة بين دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف بمؤسساته ووزارة الأوقاف المصرية بمؤسساتها، تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي -حفظه الله- من أجل دعم الأمن والاستقرار والمشروعات الوطنية التنموية التي سوف تجعل من مصر إن شاء الله تعالى دولة عزيزة قوية ينعم أبناؤها في الحاضر والمستقبل بالأمن والسلامة والرخاء والاستقرار.