الدكتور هشام حنضل يكتب: صندوق النقد الدولي: العلاج المر «3»
توصلنا في مقالنا السابق إلى أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي أمر ضروري فهو حتمي لبعض الدول كملاذ أخير للاقتراض.
كما أنه مهم للبعض الأخر لتجديد أو زيادة ثقة المجتمع الدولي في اقتصاد تلك الدول، فضلا عن كونه السبيل الوحيد للاستفادة من الخدمات المالية التي يقدمها نادي باريس.
في هذا المقال سنتعرض إلى شروط الاقتراض من الصندوق والسياسات التي يفرضها الصندوق على الدولة المقترضة وتأثير هذه السياسات على مواطنى تلك الدولة وهل يتعارض تنفيذ تلك السياسات مع الاهداف الاقتصادية والاجتماعية لتلك الدولة من ناحية ومع استقلالها وسيادتها من ناحية أخرى.
ولكي نقرب الصورة نذكر أنه في حالة الاقتراض من مصرف ما فإن المصرف يحدد شروط الاقتراض ويتخذ كل الضمانات التي تكفل قيام المقترض بالوفاء بسداد القرض وفوائده، ويقوم المقترض بتقديم ما يثبت قدرته على ذلك.
نعود الأن للصندوق ونقرر أن الصندوق يفرض على الدولة المقترضة الالتزام بتنفيذ حزمة من الإجراءات والسياسات لضمان علاج الاختلالات التي يعاني منها اقتصاد تلك الدولة، ومن جهة اخرى فإن الدولة التي ترغب في الاقتراض من الصندوق عليها تقديم ما يثبت حسن نواياها نحو الإلتزام بتنفيذ تلك الإجراءات والسياسات.
ولضمان القيام بشروط الصندوق، فإن الصندوق يقدم القرض المقرر للدولة على أجزاء ترتبط بمدى تنفيذ الدولة لتعهداتها وفقا لما جاء في خطاب النوايا، ولكن ما هي طبيعة الشروط والسياسات التي يفرضها الصندوق؟
ذكرنا سابقا أن حصة كل دولة في الصندوق تتحدد حسب عدة معايير تعكس قوتها الاقتصادية الدولية، وأن حصة كل دولة تحدد عدد الأصوات التي تمتلكها الدولة للتصويت على قرارات الصندوق.
تمتلك الدول الرأسمالية المتقدمة أكبر حصة في الصندوق ومن ثم لها أكبر عدد من الاصوات في قرارات الصندوق، فمثلا أمريكا وحدها تملك 17.5% من إجمالي أصوات الصندوق، وتملتك الدول الغربية المتقدمة مجتمعة حوالي 61.5% من إجمالي الأصوات، بينما تمتلك الدول العربية مجتمعة ما لا يزيد عن 7.3% من إجمالي الأصوات.
وبناء على ذلك فإن الدول الرأسمالية المتقدمة هي المتحكم في قرارات الصندوق ومن ثم فإن الشروط والسياسات التي يفرضها الصندوق تكون ذا صبغة رأسمالية بكل خصائصها.
الأن يفرض السؤال نفسه: هل السياسات التي يفرضها الصندوق على الدولة المقترضة يضر بإقتصادها أو لتكن صياغة السؤال: ما تأثير تلك السياسات على الدولة المقترضة وعلى مواطنيها؟
الإجابة على السؤال لها شقين الأول: تأثير هذه السياسات على الدولة المقترضة أي على المتغيرات الاقتصادية والنمو الاقتصادي بها، أما الشق الثاني فيتعلق بتأثير تلك السياسات على مواطني هذه الدولة.
والرأي عندنا أن النظام الرأسمالي والذي تنبني عليه السياسات التي يقرها الصندوق هو أفضل النظم الوضعية مناسبة للطبيعة البشرية، فالانسان يميل بطبعه ألى الكسل وغالبا إلى التواكل، ولذا فإن حافز الربح – وهو أهم خصائص النظام الرأسمالي – يمارس تأثيرا إيجابيا لتحفيزه للعمل وبذل الجهود، حيث تتحدد السلع والخدمات المنتجة وكمياتها وكذلك أسعارها على أساس قوى السوق والتى تعكس رغبة المنتجين فى تعظيم أرباحهم من جهة ورغبة المشترين فى تعظيم منافعهم من جهة أخرى.
وتأتي الخاصية الثانية وهي توافر المنافسة التامة في الاسواق ومنها سوق المنتجات، وتتمثل تلك الشروط فى وجود عدد كبير من المستهلكين والمنشآت الإنتاجية، والتجانس التام للسلعة، وتوافر المعلومات التامة لكل من المستهلكين والمنشآت الإنتاجية، وحرية دخول وخروج منشآت إنتاجية من وإلى مجال الإنتاج، ليقر التنافس على إنتاج منتجات أكثر جودة وأرخص سعر.
وتضمن المنافسة التامة تحقيق الكفاءة الاقتصادية في الأسواق، حيث تعكس الكميات المنتجة وأسعارها رغبات طرفى السوق المستهلكين والمنتجين. وفي ظل توافر المنافسة التامة في أسواق رأس المال والنقود وعوامل الإنتاج يمكن زيادة قدرات الدولة الإنتاجية ودفع معدلات النمو الاقتصادي بها.
ومن ثم زيادة الصادرات وخفض الورادات ومما يساعد في علاج أو تخفيف عجز ميزان المدفوعات وتحسين قيمة العملة المحلية، ويعم مفهوم اليد الخفية لسميث فتتحقق الكفاءة الشاملة للمجتمع ككل.
وتضمن الملكية الخاصة وعدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي عدم تشويه الأسعار لتعكس الندرة النسبية لعوامل الإنتاج وقوى السوق المحددة لها.
وخلاصة القول أن سياسات الصندوق تضمن تحسن الاداء الاقتصادي للدولة المقترضة مما يساعد في تحسن وضعها الاقتصادي وعلاج العجز في ميزان مدفوعاتها وقيمة عملتها المحلية ولا سيما إذا استخدم القرض في مجالات اسثمارية ذات معدلات عائد مقبولة إجتماعيا ولها ارتباطات أمامية وخلفية قوية تمكن من جعلها أقطابا للنمو.
في مقالنا القادم بحول الله نتولى الإجابة على سؤال تأثير سياسات الصندوق على مواطني الدولة المقترضة ولا سيما الفئات محدودة الدخل والثروة.
أ.د. هشام حنضل عبدالباقي الجعبيري
رئيس قسم الاقتصاد – كلية التجارة – جامعة المنصورة
Email: [email protected]