الدكتور هشام حنضل يكتب: صندوق النقد الدولي العلاج المر «2»
تعرضنا في مقالنا السابق إلى نشأة صندوق النقد الدولي وأهدافه وكيفية إتخاذ القرارات بداخله ومن له حق التصويت وكيفية تحديد عدد الأصوات وموارد الصندوق.
وفي مقالنا هذا نكمل الحديث حول الاقتنراض من الصندوق وهل هو أمر ضروري للدولة المقترضة أم يمكن الاستعاضة عنه بالاقتراض من مصدر أخر؟
تتمثل أهم خدمات يقدمها الصندوق لأعضائه في مراجعة ومتابعة التطورات المالية والاقتصادية القومية والعالمية، وفي إقراض الأعضاء عملات صعبة لمساعدتهم في إتباع السياسات الإصلاحية المقترحة لعلاج إختلالات موازين المدفوعات وتعزيز النمو المستدام، وكذلك في تقديم مجموعة كبيرة من المساعدات الفنية وكذلك برامج التدريب لموظفي الحكومات والبنوك المركزية والخبراء، حيث تمكن تلك المساعدات المالية الدول من إعادة بناء أحتياطاتها وتحقيق استقرار أسعار عملاتها والاستمرار في الوفاء بمدفوعات وارداتها دون اللجوء إلى استخدام القيود التجارية، ولاسيما أن قروض الصندوق تختلف عن غيرها من قروض المؤسسات الدولية الأخرى من حيث أنها لا توجه لتمويل لمشروعات معينة.
تتم عملية الاقتراض من الصندوق عادة وفقا ”لترتيبات“ تستند على الخطوات التي ستتبعها الدولة من أجل الحصول على القروض ولابد من موافقة المجلس التنفيذي للصندوق على تلك الترتيبات، وتتضمن تلك الترتيبات برامج اقتصادية تم صياغتها من قبل الدولة بإستشارة الصندوق وتقدم إلى المجلس التنفيذي في شكل ”خطاب نوايا“. وبعد موافقة المجلس التنفيذي القروض تصبح متاحة لتنفيذ البرامج الاقتصادية الموافق عليها.
يقوم الصندوق بتطوير عدد من أدوات القروض لتواكب ظروف معينة للدول منخفضة الدخل والتي ربما تقترض من الصندوق بفائدة ميسرة من خلال برامج معينة أو الاقتراض غير ميسرة من خلال برامج مختلفة، كما يقدم الصندوق مساعدات طارئة للدول التي تواجه كوارث طبيعية أو صراعات داخلية.
قبل التطرق إلى الجدل المثار حول الاقتراض من الصندوق يجب التذكير بالنقاط التالية: أولا: لا يعتبر الصندوق مؤسسة إقراض أو بنك تنمية ولكنه يقدم قروضا لمساعدة الدول على التغلب على مشكلات موازين المدفوعات وأستعادة النمو الاقتصادي المستدام. ثانيا: اقرض الصندوق يكون بشروط تستند إلى السياسات التي تتبع. ثالثا: قروض الصندوق مؤقتة حسب نوعها وتتراوح مدتها من 6 شهور و4 أعوام. وتكون فترة إعادة سداد القروض في حالة القروض القصيرة من ¼ 3 إلى 5 أعوام، وفي حالة التمويل متوسط الأجل ما بين 4 ¼إلى 10 أعوام. رابعا: يتوقع الصندوق ان تعطي الدول المقترضة اولوية لسداد ديونها من الصندوق حتى يتمكن من إقراض دول اخرى.
والأن يأتي السؤال هل الاقتراض من الصندوق أمر هام؟ الإجابة نعم لأن الاقتراض من الصندوق في حالة بعض الدول يكون هو المصدر الوحيد المتاح لها للإقتراض، حيث تكون هذه الدول قد وقعت فريسة للحلقة المفرغة للديون الخارجية، أي أنها أصبحت تقترض قرضا جديدا لسداد أقساط وخدمات قروض سابقة وهكذا تراكمت عليها الديون إلى الحد الذي تقل فيها ثقة المجتمع الدولي في قدرات اقتصادها، ومن ثم تمتنع المؤسسات الدولية والدول عن إقراضها وهنا تلجأ هذه الدول إلى الصندوق بإعتباره الملاذ الأخير للحصول على قروض. وفي حالة بعض الدول والتي تكون أحسن حالا من الدول السابقة رغم معاناتها واحتياجها لتمويل مشروعاتها وخطط التنمية الاقتصادية والإجتماعية فيها، هنا يكون الاقتراض من الصندوق هاما أيضا لأن موافقة الصندوق على إقراض دولة ما يعني تجديد الثقة في اقتصاد هذه الدولة وأنها قادرة على تخطي ظروفها الراهنة وقادرة على سداد ديونها وهو أمر حيوي لأي دولة لتجديد ثقة المجتمع الدولي في اقتصادها، أيضا موافقة الصندوق على إقراض دولة يمهد الطريق لتلك الدولة للاستفادة من الخدمات المالية التي يقدمها نادي باريس مثال ذلك تخفيف عبء الديون أو جدولتها أو إلغاء جزء منها. وأخيرا فإن الاقتراض من الصندوق يتم بفائدة وشروط ميسرة عن الاقتراض من مؤسسات دولية أخرى.
وجملة القول أن الاتفاق والاقتراض من صندوق النقد الدولي أمر هام فهو حتمي لبعض الدول كملاذ أخير للاقتراض وهو هام للبعض الأخر لتجديد أو زيادة ثقة المجتمع الدول في اقتصاد تلك الدول، كما أنه هو السبيل الوحيد للاستفادة من الخدمات المالية التي يقدمها نادي باريس.
في مقالنا القادم بحول الله سنتطرق إلى شروط الاقتراض من الصندوق والسياسات التي يفرضها الصندوق على الدولة المقترضة وتأثير هذه السياسات على مواطنى تلك الدولة وهل يتعارض تنفيذ تلك السياسات مع الاهداف الاقتصادية والاجتماعية لتلك الدولة من ناحية ومع استقلالها وسيادتها من ناحية أخرى.
أ.د. هشام حنضل عبدالباقي الجعبيري
رئيس قسم الاقتصاد – كلية التجارة – جامعة المنصورة
Email: [email protected]
مقالات ذات صلة:
الدكتور هشام حنضل يكتب: صندوق النقد الدولي: العلاج المر 1
الدكتور هشام حنضل يكتب: اليوبيل الذهبي لكلية تجارة المنصورة
الدكتور هشام حنضل يكتب: الفساد والاقتصاد