الدكتور هشام حنضل يكتب: صندوق النقد الدولي .. العلاج المر «4»
خلصنا في مقالنا السابق إلى أنه لو تم استخدام قروض صندوق النقد الدولي في مجالات استثمارية مجدية ذات معدلات عائد مقبولة اجتماعيا ينعكس ذلك إيجابيا على أداء الاقتصاد القومي.
والأن يأتي دور التساؤل عن رقابة الصندوق لأداء الدولة المقترضة وهل هذا يتعارض مع إستقلال تلك الدولة وسيادتها؟
والإجابة أن الصندوق يراقب الأداء الاقتصادي للدولة من خلال خبرائه عن طريق متابعة مؤشرات الأداء أي من خلال متابعة المتغيرات الاقتصادية الكلية في الدولة كالتغير في عجز ميزان المدفوعات وعجز الميزانية العامة ومعدلات البطالة والتضخم وغيرها من المؤشرات.
وهذه المؤشرات تكون معلنة بل ومنشورة عن طريق العديد من الهيئات والمؤسسات المحلية والدولية، وبالتالي فهي ليست أسرارا، كما أنها لا تتعلق بالسيادة القومية للدولة.
أيضا فإن مراجعة خبراء الصندوق للسياسات المتبعة يعني أنهم يراجعون تنفيذ السياسات والإجراءات التي اقترحتها الدولة المقترضة نفسها في خطاب النوايا التي قدمته وأقرها الصندوق.
والأن نتطرق إلى السؤال الأهم وهو: هل إتباع وتنفيذ السياسات والإجراءات التي يقرها الصندوق تضر بمواطني الدولة المقترضة ولا سيما محدودي الدخل منهم؟
الحقيقة أن تنفيذ السياسات والإجراءات المستندة على حرية الأسواق والمنافسة وزيادة دور القطاع الخاص وتقليص تدخل الدولة يؤدي إلى زيادة الأسعار المحلية ومن ثم تنخفض الدخول الحقيقة وتكون الفئات محدودة الدخل هي الاكثر تضررا.
ويمكن أن تقوم الدولة المقترضة بعدة إجراءات لتخفيف الأثار السلبية المترتبة على تنفيذ برنامج الصندوق على المواطنين ولا سيما الفئات الفقيرة ذات الدخول المحدودة، وذلك من خلال التوسع في شبكات الضمان الاجتماعي.
وعلى سبيل المثال قامت مصر في التسعينات بإنشاء الصندوق الاجتماعي للتنمية مواكبا لإتفاقها مع صندوق النقد الدولي عام 1991، وكان الهدف منه هو تخفيف الأثار السلبية المتوقعة لتنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي أنذاك.
أنشئ الصندوق الإجتماعي للتنمية بالقرار الجمهوري رقم 40 لسنة 1991 وبدأ العمل الفعلي في مارس 1993، وبرأس مال قدره 1.45 مليار جنيه مصري بتمويل خارجي.
وقد هدف الصندوق الاجتماعي في التسعينات إلى تحقيق الأهداف المرجوة منه عن طريق برنامج إعادة تأهيل مرافق الخدمات العامة والمشروعات كثيفة العمل، وأيضا من خلال برنامج تطوير الخدمات الاجتماعية ومساعدة الأفراد على إنشاء المشروعات الصغيرة.
وجملة القول أن الإتفاق مع صندوق النقد الدولي في حد ذاته أمر لا غبار عليه إذا تم التفهم التام والعمل على تحقيق النقاط الرئيسة التالية:
أولا: إن اللجوء إلى الصندوق ليس نوعا من الرفاهة وإنما هو ضرورة تستوجبها الظروف الاقتصادية للدولة المقترضة، ولذا يجب إجراء دراسة اقتصادية دقيقة وشاملة لمتغيرات الدولة المقترضة قبل اللجوء للصندوق للوقوف على مدى ضرورية اللجوء للإقتراض منه.
ثانياً: أن تنفيذ برنامج الصندوق بعد الاتفاق معه أمر هام، ولذا يجب تحديد السياسات والإجراءات المتضمنة في خطاب النوايا والتي ستلتزم بها الدولة في ضوء إمكاناتها الحالية والممكنة، وما يتطلبه ذلك من دراسات دقيقة في هذا الصدد.
ثالثا: يمكن لقرض الصندوق أن يحدث أثارا إيجابية في اقتصاد الدولة المقترضة لو أحسن استغلاله في المجالات الاستثمارية المجدية وذات معدلات عائد اجتماعي مقبول، ولا يخفى أن مجالات الاستثمار المرغوبة تختلف من دولة لأخري وداخل الدولة الواحدة من وقت لأخر.
رابعاً: لا ريب أن تحسين مناخ الاستثمار يعد أمرا حيويا في إجتذاب الاستثمارات المحلية والاجنبية المباشرة وغير المباشرة، مما يساعد في تنفيذ برنامج الصندوق من ناحية وفي زيادة الإنتاج والانتاجية ومن ثم علاج اختلالات ميزان المدفوعات وتحسن قيمة العملة المحلية من ناحية أخرى.
خامساً: يقف الفساد حجرا عثرة أمام تحقيق أهداف برامج الاصلاح الاقتصادي والإجتماعي، ولذا يجب مكافحته بكل صوره الاقتصادية والسياسية والإجتماعية.
سادساً: تنفيذ برنامج الصندوق حتما سيؤثر سلبا على بعض الفئات ولا سيما محدودي الدخل، ولذا يلزم استخدام حزمة من برامج التكافل الاجتماعي لتخفيف حدة هذه الأثار.
في ضوء تلك النقاط الهامة سنتولى في مقالنا القادم بحول الله تحليل اتفاقات مصر مع صندوق النقد الدولي لتبيان ما لها وما عليها ولنستخلص دروسا مستفادة نضعها أمام أعين منفذي برامج الصندوق لتعطيم الأثار الإيجاببة وتدنية الأثار السلبية لتلك البرامج على الاقتصاد المصري.
أ.د. هشام حنضل عبدالباقي الجعبيري
رئيس قسم الاقتصاد – كلية التجارة – جامعة المنصورة
Email: [email protected]
مقالات للكاتب:
الدكتور هشام حنضل يكتب: صندوق النقد الدولي .. العلاج المر «3»
الدكتور هشام حنضل يكتب: صندوق النقد الدولي العلاج المر «2»
الدكتور هشام حنضل يكتب: صندوق النقد الدولي: العلاج المر 1