تناولنا في المقالات الأربعة السابقة تحليل جوانب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وما يتضمنه ذلك من شروط وسياسات وإجراءات ملزمة للدولة المقترضة وتأثير ذلك عليها.
نتناول في هذا المقال بالتحليل الاتفاق بين مصر وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في التسعينات لتنفيذ برنامجا للإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي.
شهدت السنوات 1986-1990 أنخفاض ملحوظ في معدل النمو الاقتصادي، وإنهيار في الايرادات العامة نتيجة لانخفاض أسعار النفط عام 1985/1986، أيضا شهدت الفترة المعنية إنخفاض تحوبلات المصريين العاملين بالخارج، فضلا عن إنخفاض عائدات السياحة.
وقد أدي استخدام سياسة نقدية توسعية في علاج العجز في الايرادات إلى إرتفاع معدل التضخم ليتجاوز 20%.، وارتفع الدين االخارجي من 21 مليار دولار إلى 51 مليار دولار.
كما أدت محاولات الحكومة الحفاظ على سعر صرف ثابت للجنية المصري في مقابل الدولار الامريكي إلى ظهور سوق سوداء في تبادل العملات الصعبة.
من ناحية أخرى أدى ركود الصادرات إلى تفاقم العجز في الميزان التجاري، مما أدى إلى تعرض قدرة مصر على سداد ديونها للخطر وانحسرت الثقة في الاقتصاد المصري.
في ظل هذه الظروف أصبح اللجوء لصندوق النقد الدولي أمرا ضروريا لتمويل عجز الميزان التجاري وعجز الميزانية العامة، والاستفادة من القروض الميسرة التي يقدمها الصندوق لأعضائه، واستعادة الثقة في الاقتصاد، وأيضا للاستفادة من الخدمات المالية لنادي باريس.
بدأت مصر جولة مفاوضات مع الصندوق أدت إلى عقد إتفاق لتنفيذ يرنامجا للإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي مع الصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
هدف برنامج الاصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي إلى تحسين وضع ميزان المدفوعات وتخفيض معدل التصخم وتحسين العلاقات المالية مع الدائنين مما يزيد معدل النمو ويحسن مستوى المعيشة.
تضمن البرنامج حزمة من السياسات تهدف إلى تحقيق الاستقرار النقدي والمالي كمرحلة اولى ثم زيادة معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي من خلال سياسات التنثبيت الاقتصادي وسياسات التكليف الهيكلي والسياسات الاجتماعية.
تألف برنامج التثبيت من مجموعة من السياسات تهدف إلى إزالة الاختلال بين الطلب الكلي والعرض الكلي بالتأثير على جانب الطلب باستخدام السياسات النقدية والمالية وسياسة سعر الصرف.
عهد إلى السياسة االمالية إحداث خفض سريع في العجز المالي من 17.2% في عام 1990/1991 إلى 10.3% في عام 1991/1992 ثم إلى 3.5% كنسبة إلى إجمالي الناتج المحلي. ويتحقق ذلك باتباع سياسة تقييدية (إنكماشية) بتقليص الإنفاق الحكومي وزيادة الإيرادات الحكومية.
ويمكن تقليص الإنفاق الحكومي بخفض الدعم وتقليل الاستثمار العام وإصلاح هيكل الأجور. كما يمكن زيادة الإيرادات الحكومية عن طريق زيادة الإيرادات الضريبية من خلال تحسين اجراءات تحصيل الضرائب وفرض ضرائب جديدة وزيادة أسعار بعض الضرائب القائمة.
وعلى الجانب الاخر هدفت السياسة النقدية إلى تقليل القيود على أسعار الفائدة بما يحافظ على معدلات موجبة لأسعار الفائدة الحقيقية مع ترك قوى السوق تحدد كيفية توزيع الإئتمان وتعبئة المدخرات، مما يؤدي إلى تحسن إدارة السياسة النقدية.
ولتحقيق أهداف السياسة النقدية تم في يناير 1991 تحرير سعر الفائدة بإستخدام التأثير غير المباشر على مستوى سعر الفائدة بإصدار أذونات خزانة بأسعار فائدة تتجدد وفقا لقوى العرض والطلب.
تم إلغاء التمييز في أسعار الفائدة على القروض بين القطاعات، حيث تم في أكتوبر1992إلغاء القيود على التوسع في الاقراض للقطاع الخاص، ثم تم الإلغاء للقطاع العام في يوليو 1993.
تمثل الغرض الرئيس لسياسة سعر الصرف في تحرير سعر صرف الجنية لجذب موارد أجنبية للوصول إلى المستوى التنافسي لسعر الصرف. وقام البنك المركزي بتعديلات في أسعار الصرف ليتغيرالسعر من 110 قرش إلى 200 قرش للدولار الواحد.
وفي نوفمبر 1991 تم دمج سعري الصرف في سعر واحد والذي يتم تحديده وفقا لقوى السوق، مما ادى إلى إنخفاض قيمة الجنية في مقابل الدولار الأمريكي بحوالي 23%.
ومن ناحية أخرى هدفت سياسات التكيف الهيكلي إلى تحقيق زيادة معدلات النمو الاقتصادي في الأجلين المتوسط والطويل بالتأثير في جانب العرض ودعم هيكل الإنتاج للوصول إلى أعلى مستويات الكفاءة الاقتصادية.
تضمنت حزمة التكيف الهيكلي: إصلاح القطاع العام والتحول للقطاع الخاص، وسياسة التسعير، وسياسات الاستثمار، فضلا عن سياسات تحرير التجارة الخارجية، وهذا ما سنتناوله بحول الله في مقالنا القادم.
أ.د. هشام حنضل عبدالباقي الجعبيري
رئيس قسم الاقتصاد – كلية التجارة – جامعة المنصورة
Email: [email protected]