الدكتور هشام حنضل يكتب: صندوق النقد الدولي: العلاج المر 1
كثر الجدل – وهو جدل قديم حديث – حول الاقتراض من صندوق النقد الدولي ما بين مؤيد ومعارض، حيث يثير المعارضون الشروط التي يقررها الصندوق ومدى تعنب الصندوق في تلك الشروط ومدى تأثيرها تلك على الاقتصاد القومي.
وعلينا هنا أن نقر أن الحوار والنقاش في حد ذاته أمر محمود يبين جوانب الموضوع ويقدم الحلول المناسبة والممكنة لتجنب أو تلافي المشكلات ولكن يلاحظ في الجدل حول التعامل مع صندوق النقد الدولي أن النقاش يتسم بألوان الأيدولوجيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية من ناحية أو أن الحواريتسم بالسفسطة التى مغزاها الجدل من أجل الجدل وحسب، مما أدي إلى تدخل فئة غير متخصصة في الجدل والنقاش، ومن ثم انحرف الجدل إلى مسائل سطحية من ناحية وغير علمية من ناحية أخرى، وهذا على وجه التحديد هو الدافع الرئيس لتناول هذا الموضوع والذي بالتاكيد لن يعجب الكثير الأراء التي سترد فيه والنتيجة التي سيصل إليها ولكن هذا هو واجبنا نحو التخصص الذي ننتمي إليه ونحو الوطن العزيز الذي نحتمي به ويحتوينا.
ولكي تتضح الصورة كاملة فإننا نبدأ من البداية فنتعرض لنشأة الصندوق وأهدافه وكيفية إتخاذ القرارات بداخله ومن له حق التصويت وكيفية تحديد عدد الأصوات وموارد الصندوق وغيرها من الامور الهامة التي تساعد كثيرا في حسم موضوع الجدل حول السؤال المحوري: هل نقترض او لا نقترض من الصندرق؟
انشئ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وفقا لإتفاقية بريتون وودز عام 1944. وتتمثل أهم أهداف الصندوق في دفع التعاون النقدي الدولي من خلال مؤسسات دائمة تقدم ألية للاستشارات والتعاون في حالات مشكلات النقد الدولية، والمساعدة في التوسع في النمو المتوازن للتجارة الدولية، ومن ثم دفع والحفاظ على مستويات عالية من التوظف والدخل الحقيقي والنمو في الموارد المنتجة لكل الأعضاء، والمساهمة في تحقيق استقرار أسعار الصرف للدول الأعضاء، والمساعدة في وجود نظام متعدد للمدفوعات الخاص بالمعاملات الجارية بين الأعضاء، ومنح الثقة للأعضاء في الحصول على أرصدة من الصندوق تحت شروط معينة، وبناء على ما سبق يساعد الصندوق على تضييق فترات عدم التوازن في موازين مدفوعات الدول الأعضاء.
وتتخذ القرارات داخل الصندوق من قبل مجلس المحافظين والمجلس التنفيذي. مجلس المحافظين هو أعلى سلطة في الصندوق ويجتمع عادة مرة كل سنة خلال الاجتماع السنوي للصندوق والبنك الدوليين، وكل الدول الأعضاء تشارك في مجلس المحافظين، حيث تعين كل دولة عضوا محافظا لها ونائبا له.
أما المجلس التنفيذي فيتكون من 24 مديرا تنفيذا فضلا عن الرئيس الذي يتولى التنسيق بينهم. عادة يجتمع مجلس المديرين التنفيذين ثلاث مرات أسبوعيا وقد تزيد عدد الاجتماعات عند الضرورة وتعقد الاجتماعات في مبني الصندوق في واشنطن. يوجد 5 مقاعد للدول الأعلى حصة وهي الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا وألمانيا واليابان، بالإضافة إلى ثلاثة مقاعد لروسيا والصين والسعودية. أما بقية المقاعد وعددها 16 مقعد فيتم إنتخابهم ولمدة عامين.
تعد إشتراكات الأعضاء في الصندوق عند الإنضمام أوعند زيادة حصص بعض الأعضاء هي المصدر الرئيس لموارد الصندوق. تسدد الدول الأعضاء 25% من حصتها على شكل حقوق سحب خاصة أو عملات صعبة أو بالذهب. للصندوق الحق في طلب أن يتم سداد بقية الحصة بعملة الدولة المحلية وتكون متاحة للإقراض عند الحاجة لذلك. لا تحدد حصة كل دولة عضو في الصندوق قيمة المدفوعات المطلوبة وتصنييفها فحسب بل أيضا تحدد قوة تصويت العضو على قرارات الصندوق وحجم التمويل الممكن الحصول عليه من الصندوق وأيضا مشاركة الدولة العضو في توزيع حقوق السحب الخاصة.
ويتم تحديد حصة كل عضو أو تغييرها على أساس وضعه (قوته) الاقتصادية النسبية أي بالنسبة لبقية الأعضاء استنادا إلى عدد من العوامل منها إجمالي الناتج المحلي ومعاملات الحساب الجاري والاحتياطات الرسمية. وعادة تتحدد حصة العضو عند طلب الانضمام للصندوق بحقوق السحب الخاصة والتي تمثل وحدة الحساب في الصندوق.
يقوم مجلس المحافطين بمراجعة الحصص بصفة دورية كل خمس سنوات، ويتطلب تغيير الحصص موافقة الأغلبية 85%، حيث يتم تحديد حجم الزيادة الإجمالية ثم توزيع الزيادة على الأعضاء. وتكمن أسباب تغيير حصة الأعضاء في تحديد الحصة المناسبة للعضو وفقا لإحتياجات تمويل موازين مدفوعات الدول الأعضاء وأيضا قدرة الدولة العضو في توفير تلك الإحتياجات، فضلا عن زيادة حصص الأعضاء بما يعكس وضعها الاقتصادي النسبي في العالم.
بعد استعراض الإطار النظري لنشأة وعمل الصندوق سنتولى تبيان كيفية الاقتراض من الصندوق وشروط الاقتراض وخطواته والنتائج المترتبة على إبرام الاتفاق مع الصندوق وهذا ما سنتناوله في مقالنا القادم إذا قدر الله البقاء واللقاء.
أ.د. هشام حنضل عبدالباقي الجعبيري
رئيس قسم الاقتصاد – كلية التجارة – جامعة المنصورة
Email: [email protected]