لم يكن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر سوي انساناً عادياً لم يحي حياة الأثرياء في قصور ولم ينفصل عن شعبه، كانت حياته في غاية البساطة، كان له هيبة في البيت منذ صغره وعرف بين اخوته العشرة بـ”سى جمال”.. كان يسكن منزلًا بسيطًا متواضعًا، يشتري قماش ألبسته من المحلة ويتوجه به إلى “ترزي” بالقاهرة لتفصيلها ويتناول طعامًا غاية في البساطة، كان الفول المدمس طبقه المعتاد في الفطور، والجبن الأبيض في العشاء ..سجل كل من عرفه واقترب منه مواقف إنسانية تبرز طريقة تعامله فى بيت الأسرة، وكيفية تواصله مع الناس وشعوره بالفقراء، كان يرفض ارتداء واقٍ من الرصاص، وكان يخرج من سيارته ليحيي الجماهير في المناسبات المختلفة، غير مكترث بنصائح المقربين منه بضرورة توخي الحذر خوفاً من تكرر محاولات اغتياله..
عاش صراعًا طويلًا مع مرض السكري في الأربعين من عمره، وتم استخدام حقن الأنسولين صباح كل يوم قبل الإفطار في محاولة للسيطرة على ارتفاع نسبة السكر في الدم.
الرسالة وصلت يا أبويا
أثناء إحدى زيارات جمال عبد الناصر للصعيد عندما توقف القطار فى إحدى المحطات فقام رجل بسيط يرمي “صرّة ” وقعت بين أرجل الرئيس مما أربك الحضور وسارع أحد ضباط الحراسة الخاصة بالتقاط هذه الصرّة بحذر وبدأ يفتحها داخل إحدى كبائن القطار وكانت المفأجاة أن الصرة لا تحوى إلا ” رغيف بتاو وبصلة ” فى منديل محلاوى ولم يفهم أحد من الحضور لماذا رمى الرجل الطيب بهذه الصرة؟ إلا أن جمال عبد الناصر الصعيدى كان الوحيد الذى فهم ماذا تعنى هذه الرسالة وأطل برأسه بسرعة من القطار واخذ يرفع صوته فى اتجاه الرجل الذى ألقى بالصرة قائلا له : ” الرسالة وصلت يا أبويا ، الرسالة وصلت .. ” لم يكد القطار يصل إلى أسوان حتى طلب الرئيس عبد الناصر تقريرا عاجلا عن عمال التراحيل وعن أحوالهم المعيشية .. وفى خطابه مساء ذلك اليوم فى جماهير أسوان قال : ” يا عم جابر . . أحب أقول لك إن الرسالة وصلت وأننا قررنا زيادة أجر عامل التراحيل إلى 25 قرشا فى اليوم بدلا من 12 قرشا فقط ، كما تقرر تطبيق نظام التأمين الاجتماعى والصحى على عمال التراحيل لأول مرة فى مصر ..واتخذت دساتير عبدالناصر من التضامن الاجتماعي أساسا للمجتمع المصري حيث أعطى العديد من الحقوق لعموم الشعب، خاصة بتأييده نقابات عمالية واتحادات، وحرصه على تنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل، واهتم بتقديم خدمات التأمين الاجتماعي في حالات الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل، وتعويض المتضررين من آثار الحرب أو الكوارث.