كانت المواسم الأربعة الأولى من المسلس العالمي ‘The Crown‘ – الذي تعرضه منصة نتفليكس- مصقولة وملكيّة، لكن عندما سمعت لأول مرة كلمة يا ابن اللذينة – وهي عبارة شائعة في اللغة العربية العاميّة – في موسمها الخامس، تأكدنا أنه سيكون موسما مميزا حقا، وأن الممثلين عرب فعلا.
ومن فساتين الانتقام إلى علاقات الحب الممنوع، بدأ عرض الموسم الخامس من مسلسل “The Crown” الذي حاز على إعجاب الملايين حول العالم ، والذي تم إصداره في 4 نوفمبر على منصة Netflix ، في وسط أوقات مضطربة للعائلة المالكة التي تعيشها حاليا أكثر من أي وقت مضى.
يقفز الموسم بنا إلى التسعينيات، مع الملكة إليزابيث الثانية في (التي تلعب دورها الممثلة إيميلدا ستونتون). على الرغم من أن العرض يركز في المقام الأول على خصوصيات وعموميات العائلة المالكة، فإن الممثلين العرب هم من أسروا قلوبنا حقًا.
لأول مرة منذ موسمه الأول في عام 2016: لا يقدم “The Crown” مجرد دروس في التاريخ حول لحظات مهمة في ماضي العائلة المالكة وتاريخ المملكة المتحدة عموما. فبدلاً من ذلك، يقدم المبدع البريطاني بيتر مورغان ببراعة قصصًا جديدة ومثيرة للاهتمام بخلاف أفراد العائلة المالكة، بالاستعانة بفريق عمل عربي ممتاز.
ما يجعل هذا الموسم مثيرًا للاهتمام ليس طاقم الممثلين الجديد والذي تم إختيارة بعناية فائقة، ولكنه عمل على معالجة قضايا مهمة مثل الاستعمار والطبقية والصراع على السلطة والعنصرية المؤسسية بحذر شديد نظرا للتعنتات التي تصدرها دائما العائلة المالكة.
المواسم السابقة من “The Crown” لم تفشل أبدًا في أن تكون سريعة الإيقاع بل ومثيرة، ولكن الحلقات الجديدة غالبًا ما كان يغلب عليها طابع الملل. ربما لأن بعض مؤامرات مورغان الجانبية قد تم الحديث عنها بالفعل، بما في ذلك شعور الأميرة مارجريت (الذي تلعبه ليزلي مانفيل) التي كانت دائما تشعر بالإحباط والاستياء تجاه الملكة.
لكن الحلقة الثالثة من المسلسل والتي تحمل اسم “مو مو” سرقت الأضواء. من الدقيقة الأولى حتى الأخيرة، إنها حلقة رائعة قائمة بذاتها، وربما تكون واحدة من أفضل حلقات الموسم – أو البرنامج – على الإطلاق.
تأخذ الحلقة المشاهدين إلى الإسكندرية عام 1946، حيث نشأ محمد الفايد. بائع متجول مصري، الفايد-الشاب- (يلعب دوره أمير المصري) الذي يتطلع إلى مقابلة الملك المتنازل عن عرشه –إدوارد- الذي يزور مصر، على الرغم من ازدراء والده الواضح للبريطانيين الذين استعمروا بلاده منذ ما يقرب من 72 عامًا.
في النهاية ، يشق الفايد طريقه ليصبح رجل الأعمال الثري: محمد الفايد (الذي يلعب دوره سليم ضو).
حريص – ويائس – على الاندماج في المجتمع البريطاني الراقي، وذلك من خلال منتجعات، سواء شراء متجر هارودز الفاخر أو حتى تجديد فيلا وندسور في باريس. حتى أنه استمر في إقامة صداقة مع الخادم الباهامي سيدني جونسون، الذي كان الخادم الشخصي السابق لدوق وندسور (الملك إدوارد ، الذي يلعبه أليكس جينينغز). ويعمل جونسون على تعليم الفايد كل ما يمكن معرفته عن العائلة المالكة: السلوكيات، والأزياء، وآداب السلوك، والعلاقات.
بعد أن استحوذ الفايد على فيلا وندسور في باريس وأعاد إحيائها، تلقى مكالمة هاتفية من قصر باكنغهام يفترض منها – بشكل خاطئ – أن الملكة قادمة للزيارة، وإذا به يقفز طائرا ويقول: “الجبل يتحرك إلى محمد”.
قدمت هذه الحلقة أيضًا Dodi (الذي يؤديه خالد عبد الله)، مخرج سينمائي طموح ، كان يناضل باستمرار للحصول على موافقة والده، إنه عاشق ديانا الذي تربطه بها علاقة تتحول بسرعة من حب الصيف الذي يمر سريعا إلى مأساة أدت إلى قتل الاثنان معًا في حادث سيارة في باريس عام 1997.
سلّط هذا الوسم على علاقة الفايد ودودي –الأب والابن- بأعلى مستوياتها وانخفاضاتها – حيث يأتي أحد أفضل عروضهما عندما يريد الفايد الاستحواذ على فندق ريتز كارتلون في باريس، حيث يُقابل بالعنصرية والتمييز الصريحين. وفي هذا المشهد يتحول الفايد إلى اللغة العربية، وبصوته ونبرته ورسالته التي أراد توجيهها جعل المشاهدين ينجذبون إلى صدق الأداء.
تجاوز الكراهية والرفض: الفايد متسلق اجتماعي للكثيرين ، ورجل ملهم للآخرين.
غالبًا ما سقطت صناعة الأفلام العالمية في أخطاء الإدلاء، فهناك حالات قليلة فقط نرى فيها شخصيات مصرية يصورها ممثلون مصريون حقا، كما هو الحال في سلسلة Marvel Studios “Moon Knight” (2022).
ووقع فيلم “التاج” في نفس خطأ سوء الفهم، عندما قام بتأدية دور الرئيس المصري جمال عبد الناصر –في الموسم الثاني- ممثل سوري تحدث بلهجة سورية – علىالرغم من أنه كان من الفترض أن يكون ممثل مصري!.
لكن هذا الموسم مع أمير المصري وسليم ضو وخالد عبد الله وأحمد غوزيتم إتقان المشاهد كما لو أنك تعيش مع الأشخاص الحقيقين، على الرغم من الأصول الفلسطينية لسليم ضو ، فإن لغة جسده ونبرته ولهجته طوال العرض ستجعلك مخطئ في التفريق بينه وبين رجل إسكندراني حقيقي.
الجانب السلبي الوحيد لهذا الموسم هو أن هذه الشخصيات الموهوبة لم تُمنح وقتًا كافيًاعلى الشاشة باستثناء الحلقتين الثالثة والأخيرة ، فبدونهما ، كان من الممكن أن يمر الموسم الخامس بسهولة كواحد من المواسم المملة حتى الآن.
حتى مع سرقة الممثلين العرب للأضواء في هذا الموسم، تقدم إليزابيث ديبيكي -التي تلعب دور الأميرة ديانا- أداءً مميزًا. ديبيكي هي مرآة حقيقية لديانا الحقيقية، من نبرة صوتها وصوتها وتعبيرات وجهها. وتستطيع رؤية ذلك بوضوح بشكل خاص خلال الحلقتين السابعة والثامنة حيث تجري ديانا مقابلة مع بي بي سي في عام 1995 مع مارتن بشير.
على الرغم من أن إيميلدا ستونتون وجوناثان برايس قد يكونان ممثلين رائعين، إلا أنهما لا يبدو لي أنهما مناسبان بشكل أفضل لأدوارهما كملكة إليزابيث والأمير فيليب. في رأيي، لم تكن الكيمياء التي تظهر على الشاشة واضحة، ولكن مرة أخرى، لا يمكن لأحد أن يضاهي كلير فوي ومات سميث كأول ملكة وأمير في العرض.
بشكل عام ، لا يقدم الموسم الخامس من “The Crown” طاقمًا جديدًا مرصعًا بالنجوم فحسب، بل يتحول أيضًا إلى الموضوعات والقضايا خلال فترة مهمة في التاريخ.
في النهاية نستطيع أن نقول إن العرب هم الملوك الحقيقيون للعرض.