الإثنين 16 سبتمبر 2024
الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

حكايات السندباد والرمز في قصص الأديب العالمي نجيب محفوظ

الايام المصرية

حكى السندباد: تحطمت مركبنا، فسبحنا إلى أقرب جزيرة، ورحب بنا ملكها العملاق، وأتاح لنا أطيب الطعام والشراب، فاكتنزنا وزاد وزن الجميع، حتى أضحوا كالبراميل، وكنت الاستثناء، فقد آثرت الاعتدال في الطعام.

وذات يوم، زارنا الملك العملاق، وتفحصنا جميعًا واستحسن ما رأى، ولكنه نظر لي باحتقار وقال: أنت مثل الأرض الجرداء، التي لا تثمر مهما ارتوت، ثم دعا اثنين منا، للاحتفال في قصره.

حزنت من ملاحظة الملك، ولكن أخذني الفضول، فتسلقت سور القصر لمشاهدة الاحتفال، فوجئت بحرس الملك، يذبحون أحد الرجال، ويعطونه للملك الذي أكله بتلذذ وشهية عجيبة، حينها أدركت، سر الحفاوة والكرم الشديد تجاهنا، فهربت مع أول مركب اقترب من الشاطئ.

ويستطرد السندباد: غرقت المركب الثانية، فذهبنا إلى جزيرة يحكمها ملك عادل، رحب بنا وأخبرنا بأن تقاليد الجزيرة، ستسري علينا مثل أي شخص، ومبالغة في إكرامنا، أهدانا بعض جواريه، وتزوجنا منهن وطابت لنا الحياة، حتى ماتت زوجة زميل لنا.

فجاءه الملك وعزاه وقال له: يؤسفنا فراقك، ولما لم يفهم الزميل، قال له الملك: تقاليدنا أن تدفن حيّا مع زوجتك الميتة، فأجابه مرتاعًا: ولكن تقاليدنا لا تتطلب ذلك، قال له الملك: لا شأن لنا بذلك وتقاليدنا مقدسة. وهكذا دُفن زميلنا مع زوجته.

ومنذ ذلك الحين، كنت أرقب زوجتي، كلما توعكت بتوجس، حتى اشتد تعثر حملها فهربت في أول مركب، ويستطرد السندباد، غرق المركب أيضًا، وكنت الناجي الوحيد، الذي وصل إلى جزيرة حافلة بالثمار.

وسرت طويلاً ولم أجد أحدًا، وأخيرًا وجدت عجوزًا، عاجزًا طلب منى بمذلة حمله إلى كوخه، وحملته وسرت به، إلى حيث أشار ثم سألته: أين كوخك يا عم؟ فأجابني بصوت قوى مختلف تمامًا عن صوته الأول: هذه جزيرتي وكل مكان فيها هو مأواي.

أردت إنزاله ولكن وجدت رجليه مشتبكتين حول رقبتي مثل الحديد، توسلت إليه أن يدعني أنزله، وسيجدني في خدمته، فضحك ساخرًا وهكذا استعبدني ليلاً ونهارًا، ولم تطب لي الحياة مع جمال الجزيرة.

وأخيرًا نجحت في سقيه نبيذًا، فسكر وتراخت ركبتاه، فألقيته جانبًا وهشمت رأسه، تلك مقتطفات من حكايات ليالي ألف ليلة، لأديب نوبل المبدع نجيب محفوظ، مما لا شك فيه، أن جميع قصص نجيب محفوظ، محملة بالرموز والشفرات، وإذا كان لنا أن نستخلص عبرًا من تلك القصص، فربما تكون: 

العبرة الأولى: لا تظن أن كل من قدم لك معروفًا، وراءه مقصد خير بالضرورة، فربما يكون لديه دوافع خفية، ضد مصلحتك تمامًا، وكثيرًا ما نقابل في الحياة مساعدات، وهبات تبدو وكأنها من أعمال الخير في الظاهر، لكنها استغلال في الباطن.

العبرة الثانية: لا تقع أسيرًا لتقاليد باطلة عفا عليها الزمن، فهي لا تجلب سوى الألم والمعاناة، وكثير من الشعوب والمجتمعات، تقع أسيرة لعادات تُعتبر من التراث وتُعتبر مقدسة، ولكنها في الواقع تسبب تعاسة وظلما لا حد له.

على سبيل المثال، كم من فتاة قتلت دفاعًا عن الشرف في الريف، لأن المنديل لم يحتو دماء، علمًا بأن هناك غشاءً لا يسبب أصلا دماءً، وكم من ثأر استمر لأجيال بين عائلات من الصعيد، والسبب ربما معركة لسبب تافه حدث في غابر الزمان.

 

 

 

تم نسخ الرابط