الإثنين 16 سبتمبر 2024
الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

أبو عبد الله البتاني، على مدار التاريخ برع العلماء المسلمون في كل مجالات العلوم والفنون المختلفة وخصوصًا العلوم المتعلقة بالفلك والطب والكيمياء وغيرها، بل أنهم وضعوا الأسس والقواعد الأساسية لبعض العلوم المعروفة كالجبر والاجتماع والهندسة، وسطروا تاريخهم الخاص بحروف من نور في كتب التاريخ، وافنوا أعمارهم يصدرون العلوم لكل الدنيا ويرشدون ويصححون مفاهيم العوام حتى أتاهم اليقين، وعلى المستوى الفلكي فلقد برز في هذا المجال العديد من العلماء المسلمين ولعل من أهمهم البتاني أو كما يسمونه "بطليموس العرب".

هو أبو عبد اللّٰه محمد بن جابر بن سنان البَتّاني المكنّى بـ البَتّاني نسبة إلى مسقط رأسه بتان، عالم فلك ورياضيات عربي مسلم، وهو أحد نوابغ العلم في وقته حتى أن البعض لقبه بـ بطليموس العرب، ويعتبره العالم الفرنسي لالاند من العشرين فلكيًا المشهورين في العالم أجمع على مدار التاريخ، وهو من أوائل العلماء المسلمين الذين وضعوا الرموز في تسهيل العمليات الرياضية واستخدمها في الحسابات الفلكية.

ولد أبو عبد اللّٰه سنة 240هـ - 854 م تقريبًا في بتان بإقليم حران، وينسب إقليم حران إلى حران التي تقع في شمال غرب الجزيرة الفراتية العليا بين مدينتي الرقة والرها بتركيا، وكانت أسرته تدرّس قديمًا الديانة الصابئية، ثم أسلمت ومنها جاءت نسبة الصابئي، وأمضى معظم حياته يرصد الأجرام السماوية بمرصد الرقة أو مرصد البتاني من عام 264هـ - 878 م حتى عام 306هـ - 918م.

أما عن أساتذته الذين تتلمذ على أيديهم فلا تتوافر تفاصيل عن أساتذته أوالمرحلة التعليمية في حياته، لكن المعروف أن علي بن عيسى الأسطرلابي و يحيى بن أبي منصور كانا أكبر الفلكيين في هذا العصر الذي نشأ فيه ويحتمل أنه قد تتلمذ على أحدهما خصوصًا لأن "علي الأسطرلابي" كان حرانيًا مثله، لكن الأمر المؤكد أنه قد استوعب المؤلفات الفلكية المتوافرة في عصره كلها، وخصوصًا مؤلفات بطلميوس، والذي كتب فيما بعد تعليقًا عليها وانتقد بعض أراء بطليموس الواردة في تلك المؤلفات، ولقد نشأ في عائلة معظم أفرادها علماء، فهو ابن أخت العالم العربي المسلم ثابت بن قرة المُتوفّى سنة 288هـ -901م.

حقق البتاني إنجازات بارزة في علم الهيئة أي علم الفلك، بالإضافة إلى إنجازاته في العلوم الرياضية (حساب المثلثات، والجبر والهندسة والجغرافيا)، ونظرًا لروعة إنجازاته الفلكية حاز لقب بطليموس العرب تشبيهًا له بالعالم الفلكي والرياضي والجغرافي الإسكندري كلوديوس بطليموس الذي عاش في القرن الثاني الميلادي، والبتاني يعرف في الغرب باسمه المحرف ألباتيجنوس (Albategnius) وألباتيجين (Albategni).

من أهم إنجازاته الفلكية أرصاده الصحيحة التي تعد أدق ما أجراه الفلكيون العرب من أرصاد، ومن أدق الأرصاد التي أجريت حتى القرن السابع عشر، الأمر الذي ما زال يثير دهشة وإعجاب علماء الفلك، نظرًا لافتقاره للآلات الفلكية الدقيقة التي توافرت في القرنين الماضيين، حيث رصد زاوية الميل الأعظم، وقاس موضع أوج الشمس في مسيرتها الظاهرية فوجده قد تغير عن القياس الذي أجراه "بطليموس" في القرن "الثاني" الميلادي، كما أنه صحح قيمة الاعتدالين الصيفي والشتوي، وحسب قيمة ميل فلك البروج على فلك معدل النهار فوجدها 23 درجة و 35 دقيقة  23° 35'، والدراسات الفلكية تبين لنا أنه لم يخطئ إلا في دقيقة واحدة حسب طول السنة الشمسية بدرجة عالية من الدقة، وبخطأ مقداره دقيقتان واثنتان وعشرين ثانية فقط.

كما أنه أجرى أرصادًا دقيقة للكسوف والخسوف، اعتمد عليها فلكيو الغرب في حساب تسارع القمر أثناء حركته خلال قرن من الزمان، بالإضافة إلى أنه برهن على احتمال حدوث الكسوف الحلقي للشمس، وفي ذلك مخالفة وتصحيح لرأي الفلكي السكندري بطليموس، بالإضافة إلى أنه حقق مواقع عدد كبير من النجوم، وصحح بعض نظريات حركات القمر وكواكب المجموعة الشمسية، وتوصل إلى نظرية قوية الأسانيد توضح وتفسر أطوار القمر عند ولادته، وأوضح حركة الذنب للأرض.

كان الفلكيون قبله وعلى رأسهم بطليموس يقولون بثبات ميل حركة أوج الشمس بحساب دائرة الفلك، إلى أن جاء البتاني فبيّن أن الميل يتغير مع الزمن وأن أوج الشمس والتباعد المركزي لمسارها قد تغير على الرغم من أن بطليموس أكد ثباتها، ولم ينس أن يوضح أن حركة أوج الشمس هي حركة الاعتدالين، ومن ذلك أوجد أن طوال السنة المدارية هو 365 يومًا و 5 ساعات و46 دقيقة و34 ثانية، أي بخطأ نقصان مقداره دقيقتان و 22 ثانية، بينما كان خطأ بطليموس بزيادةٍ مقدارها 6 دقائق و 26 ثانية؛ كما أنه أوضح كيفية تغير القطر الظاهري للشمس والقمر، مثبتًا إمكانية حدوث الكسوف الحلقي للشمس، بعكس ما كان يظنه بطليموس، وقد استخدم في إثبات ذلك أجهزة فلكية من صنعه، منها جهاز لقياس الارتفاع الزاوي للشمس.

ألف عددًا كبيرًا من المؤلفات تضمنت أرصاده الدقيقة ومقارناته بين التقاويم المعروفة لدى الأمم المختلفة (الهجري، الفارسي، الميلادي، القبطي)، وأوصافه للآلات المستخدمة في عمليات الأرصاد الفلكية وطرق صناعتها، ومن أهم مؤلفاته:(كتاب معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك، ورسالة تحقيق أقدار الاتصالات، وشرح المقالات الأربع لـ بطليموس، وكتاب تعديل الكواكب، وكتب ورسائل في علم الجغرافيا، وكتاب الزيج الصابئ أو زيج البتاني و الزيج هو أهم كتبه العلمية وضعه سنة 287هـ - 900م على أساس أرصاد قام بها في الرقة و أنطاكية في العام نفسه متخذًا زيج الممتحن لـ يحيى بن منصور مرجعًا له، ويعد الزيج الصابئ أهم وأصح الأزياج المعروفة التي أثمرتها حضارة الصابئة المندائيين، وسمي بـ الزيج الصابئ نظرًا لانتماء البتاني إلى طائفة صابئة حران، ويشتمل (الزيج الصابئ) على مقدمة، وسبعة وخمسين فصلًا، بين فيها الكثير من أرصاده الفلكية وأفكاره ونظرياته في علم الفلك.

وقد تُرجم الكتاب إلى اللاتينية أكثر من مرة في القرن الثاني عشر، كما أمر الفونسو العاشر بنقله إلى الإسبانية و أطلع عليه كبار الفلكيين الأوربيين ومنهم كوبرنيك Copernicus في القرن السادس عشر الميلادي، وفي عام 1899م طبع الزيح الصابئ بـ روما، بعد أن حققه كارلو نللينو عن النسخة المحفوظة بمكتبة الاسكوريال بإسبانيا، ويضم الكتاب أكثر من ستين موضوعًا أهمها (تقسيم دائرة الفلك وضرب الأجزاء بعضها في بعض وتجذيرها وقسمتها بعضها على بعض، معرفة أقدار أوتار أجزاء الدائرة، مقدار ميل فلك البروج عن فلك معدل النهار وتجزئة هذا الميل، معرفة أقدار ما يطلع من فلك معدل النهار، معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك، معرفة أوقات تحاويل السنين الكائنة عند عودة الشمس إلى الموضع الذي كانت فيه أصلًا، معرفة حركات سائر الكواكب بالرصد ورسم مواضع ما يحتاج إليه منها في الجداول في الطول والعرض)، بالإضافة إلى أنه عرف قانون تناسب الجيوب واستخدم معادلات المثلثات الكرية الأساسية، كما أدخل اصطلاح جيب التمام واستخدم الخطوط المماسة للأقواس، واستعان بها في حساب الأرباع الشمسية، وأطلق عليها اسم الظل الممدود الذي يعرف باسم خط التماس.

أما عن وفاته فيذكر أنه ارتحل مع بعض أهل الرقة إلى مدينة بغداد للشكوى في مظلمة ما، فلما رجع مات في طريقه بـ قصر الجص، قرب سامراء، وكان ذلك حوالي سنة 929م، وأنشئ لهُ تمثال في مدينة الرقة في سوريا، إلا أن هذا التمثال تعرض لعملية تخريب من قبل إحدى الجماعات المسلحة في عام 2013 حيث هُدم من أساسه وأسقط أرضًا، ذكر "ابن النديم" في الفهرست أن البتاني بدأ رحلته مع الرصد الفلكي عام 264هـ - 878 م ومن الثابت أنه أقام فترة بمدينة الرقة، وأجرى بها قسمًا من أرصاده التي تواصلت حتى عام 306هـ - 918 م وفقًا لما ذكره ابن النديم وأنه أقام فترة أخرى بمدينة أنطاكية بشمال سوريا حيث أنشأ المرصد الذي عرف باسم مرصد البتاني.

موقع الأيام المصرية، يقدم لكم تغطية شامل ومتنوعة لكافة الأخبار والأحداث المحلية والعالمية، فى شتى المجالات، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الرياضية، الفنية، ونرصد لكم الخدمات الهامة سعر الذهب، سعر الفضة، سعر اليورو، سعر الدولار، سعر الدينار الكويتي، سعر الريال السعودي.

تم نسخ الرابط