الإثنين 16 سبتمبر 2024
الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رانيا زينهم أبو بكر
رانيا زينهم أبو بكر

أتذكر وقت كنت طالبة في مرحلة الثانوية العامة، كنت فتاة مطيعة بطبعها، تحترم النظام لأقصى درجة حتى لو أنني سأحرم نفسي من المرح، كل صديقاتي كن على نفس النهج، أقصى ما كانت الوحدة منا تستطيع فعله هو أن ترتدي زيا مخالفا للزي الرسمي.

أتذكرني في المرة الوحيدة التي وافقت فيها الهوى وصبغة التمرد التي نمت داخلي، ارتديت حجابا بلون مغاير للون الأبيض الرسمي، كان أكثر ما أكرهه وقتها هو ذاك اللون، أو ربما هذا الانصياع المفروض.
المهم أنني يومها صرت اتخبط بين صديقاتي خوفا من أن تلتقطني عيني ناظرة مدرستي فاطمة الزهراء للثانوية بنات، وهي سيدة كانت تهوى الانضباط ترتدي "التايير الأسود" على بشرة بيضاء شديدة الحمرة من شدة الرقة، كان الرعب يتخبطني كالسكيرة، دعوت الله أن ينجيني من عقاب تمردي وخروجي عن القانون، على ألا أكرر هذه الفعلة الشنيعة، وبالفعل نجوت ولم أكررها أبدا بعدها.

الكاتبة الصحفية رانيا زينهم

اليوم أرصد لقطات بعين مشمئزة، مستنكرة هذا الضرب بعرض الحائط للقوانين والثوابت، فتارة أرى ظاهرة "سوزي الأردنية" هذه الفتاة في مرحلة الثانوية العامة، وهي في الحقيقة في عمر الطفولة، ومع ذلك تضع المساحيق وترسم الحواجب وتغرس الحلق تحت الشفاه التي جملتها بعمليتي "الفيلر والبوتكس"، كل ما أنجزته أنها خرجت تستفز العلم وأهله بمجموعها "33%" وتعقب أن هذا المجموع بمجهودها التام!
استنكرت المشهد وتوقفت لحظة عند العبارة، لماذا قالت "بمجهودي؟"، هل الغش هو المعتاد للدرجة التي تجعل فتاة في مرحلة مفصلية كالثانوية، تشعر بالفخر على هذا المجموع المؤسف!
مصر تقريبا منذ إعلان نتيجة الثانوية العامة في دفعتي عام ٢٠١٠ وحتى الآن وهي تتراجع في قدرتها على خلق جيل يحترم الانضباط، ويقدر قيمة العلم والقراءة، وكل الاحصائيات تشير إلى أن مصر مازالت في مؤخرة الركب في التعليم، فوفقا لمؤشر المعرفة العالمي التابع لمؤسسة محمد بن راشد للمعرفة، فمصر تأتي في المركز 90 عالميا من أصل 140 دولة.

ولم أتوقف عند معايير مؤشر المعرفة العالمي لمؤسسة محمد بن راشد، والذي إذا طبقنا معاييره على المدارس بأرض الواقع ربما يخذلنا الواقع بمرارة.

لأن المؤشر ببساطة يقيس مرتبة الدولة في التعليم حسب نسب الالتحاق بالتعليم، ونتيجة أداء الطلاب في الامتحانات الدولية والبنية التحتية للتعليم بمشتملاتها عدد المدارس والمعلمين ووسائل التكنولوجيا الحديثة الموجودة بها، وهذه جميعها صحيح ستجدها في مصر لكنها يتخللها الكثير من الثغرات الصادمة، فمثلا أدخلنا التابلت للمدارس ومازلنا نعاني أعطال فنية وتقنية تؤثر على سير العملية التعليمية، وأعلنا مسابقات لتعيين 30 ألف معلم لكننا لم نعطيه أجره إلا بشق الأنفس، فضلا عن أن قيمة الحصة أصلا لا تتخطى 20 جنيها قبل الضريبة، يا لها من مساءلة مضحكة حد البكاء، إنها الكوميديا السوداء التي دائما ما أحياها أنا وأنت وهم وهن، كلنا نحياها بشكل أو بآخر.

وبالرغم من المحاولات الدائمة لتطوير التعليم وإدخال التكنولوجيا في وسائل التدريس إلا أننا نبتعد عن التطور والتقدم.
فأسباب كثيرة توقفنا مكتوفي الأيدي أمام موجة الغزو الثقافي المدمر لكل ما هو علامة ورمز وتاريخ في مجتمعنا، كلها تعود في الأساس لانهيار المنظومة التعليمية والتربوية في مصر.

وفي رأي فإن ظاهرة خريج جامعة الزقازيق، الذي ذهب يتراقص من على كرسيه بحفل التخرج وحتى وصوله للمنصة أمام أساتذته من يقومون بتكريمه، دون احتراما للصرح الجامعي والعلم والعلماء، والفتيات اللاتي يرقصن على نفس النهج وهي ظاهرة انتشرت في الخمس سنوات الأخيرة، وجميعها امتداد لظاهرة "سوزي الأردنية".

إنها لعنة “التريند” التي قضت على هيبة العلم، وأعلت من قيمة المادة والربح حتى لو على حساب الفضيلة، فإن استطعت أن تحقق المليون مشاهدة، فهذا يعني أنك ذات قيمة حتى لو أن المحتوى المقدم “تفاهة”، واكتملت العناصر التي أفسدت العملية التعليمة، وعلينا أن نتصدى لها على قلب رجل واحد.

فمنصات السوشيال يجب تحجيمها بقدر الإمكان، مع وضع معايير لضبط استخدامها للأطفال تحت سن الـ18 في مصر، ورفع أجر المعلمين مع إلقاء الضوء على رموز وكوادر وزارة التربية والتعليم، الاهتمام بالكتاب المدرسي وتفعيل حصص الموسيقى والرسم والتربية الرياضية بالمدارس الحكومية، والكثير من التوصيات التي ينادي بها سنويا كل المهتمين بالمنظومة التعليمية.

تم نسخ الرابط