الإثنين 16 سبتمبر 2024
الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

منصور جبر يكتب: الاعتفار عند قريش

قال الله تبارك وتعالى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ  (4)}.

 جاء في كتب التفاسير: (وكانَ الَّذِينَ سَنَّ لَهم هاتَيْنِ الرِّحْلَتَيْنِ هاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنافٍ، وسَبَبُ ذَلِكَ أنَّهم كانُوا يَعْتَرِيهِمْ خَصاصَةٌ، فَإذا لَمْ يَجِدْ أهْلُ بَيْتٍ طَعامًا لِقُوتِهِمْ حَمَلَ رَبُّ البَيْتِ عِيالَهُ إلى مَوْضِعٍ مَعْرُوفٍ فَضَرَبَ عَلَيْهِمْ خِباءً وبَقُوا فِيهِ حَتّى يَمُوتُوا جُوعًا، ويُسَمّى ذَلِكَ الِاعْتِفارَ، فَحَدَثَ أنَّ أهْلَ بَيْتٍ مِن بَنِي مَخْزُومٍ أصابَتْهم فاقَةٌ شَدِيدَةٌ فَهَمُّوا بِالِاعْتِفارِ فَبَلَغَ خَبَرُهم هاشِمًا؛ لِأنَّ أحَدَ أبْنائِهِمْ كانَ تِرْبًا لِأسَدِ بْنِ هاشِمٍ، فَقامَ هاشِمٌ خَطِيبًا في قُرَيْشٍ وقالَ: إنَّكم أحْدَثْتُمْ حَدَثًا تَقِلُّونَ فِيهِ وتَكْثُرُ العَرَبُ، وتَذِلُّونَ وتَعِزُّ العَرَبُ، وأنْتُمْ أهْلُ حَرَمِ اللَّهِ، والنّاسُ لَكم تَبَعٌ، ويَكادُ هَذا الِاعْتِفارُ يَأْتِي عَلَيْكم، ثُمَّ جَمَعَ كُلَّ بَنِي أبٍ عَلى رِحْلَتَيْنِ لِلتِّجاراتِ، فَما رَبِحَ الغَنِيُّ قَسَّمَهُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الفَقِيرِ مِن عَشِيرَتِهِ حَتّى صارَ فَقِيرُهم كَغَنِيِّهِمْ، وفِيهِ يَقُولُ مَطْرُودٌ الخُزاعِيُّ:

  • يا أيُّها الرَّجُلُ المُحَوِّلُ رَحْلَهُ
  • هَلّا نَزَلْتَ بِآلِ عَبْدِ مَنافِ
  • الآخِذُونَ العَهْدَ مِن آفاقِها
  • والرّاحِلُونَ لِرِحْلَةِ الإيلافِ
  • والخالِطُونَ غَنِيَّهم بِفَقِيرِهِمْ
  • حَتّى يَصِيرَ فَقِيرُهم كالكافِي

فكانت لقريش رحلتان للتجارة، في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام، حتى جاء الإسلام وهم على ذلك، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالا ولا أعز من قريش.

وقد مات هاشم بن عبد مناف في غزة بفلسطين وكانت تسمى غزة هاشم وذلك في رحلة قريش السنوية للتجارة.

قال ابن عباس: فلم يزالوا كذلك حتى بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم فقال: {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع} بصنيع هاشم {وآمنهم من خوف} أن تكثر العرب ويقلوا.

قال ابن عاشور: (فَتَيَسَّرَتْ لَهُمُ الأسْفارُ في بِلادِ العَرَبِ مِن جَنُوبِها إلى شَمالِها، ولاذَ بِهِمْ أصْحابُ الحاجاتِ يُسافِرُونَ مَعَهم، وأصْحابُ التِّجاراتِ يُحَمِّلُونَهم سِلَعَهم، وصارَتْ مَكَّةُ وسَطًا تُجْلَبُ إلَيْها السِّلَعُ مِن جَمِيعِ البِلادِ العَرَبِيَّةِ فَتُوَزَّعُ إلى طالِبِيها في بَقِيَّةِ البِلادِ، فاسْتَغْنى أهْلُ مَكَّةَ بِالتِّجارَةِ، إذْ لَمْ يَكُونُوا أهْلَ زَرْعٍ ولا ضَرْعٍ، إذْ كانُوا بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ وكانُوا يَجْلِبُونَ أقْواتَهم فَيَجْلِبُونَ مِن بِلادِ اليَمَنِ الحُبُوبَ مِن بُرٍّ وشَعِيرٍ وذُرَةٍ وزَبِيبٍ وأدِيمٍ وثِيابٍ والسُّيُوفَ اليَمانِيَّةَ، ومِن بِلادِ الشّامِ الحُبُوبَ والتَّمْرَ والزَّيْتَ والزَّبِيبَ والثِّيابَ والسُّيُوفَ المَشْرَفِيَّةَ، زِيادَةً عَلى ما جُعِلَ لَهم مَعَ مُعْظَمِ العَرَبِ مِنَ الأشْهُرِ الحُرُمِ، وما أُقِيمَ لَهم مِن مَواسِمِ الحَجِّ وأسْواقِهِ كَما يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذا البَيْتِ}).

فسبحان الذي شرف بيته مكانا، واختص مكة بهذا الشرف العظيم، وجعلها مهوى أفئدة الناس بعد أن كانت واديا غير ذي زرع.

تم نسخ الرابط