الإثنين 16 سبتمبر 2024
الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

في القرن الحادي والعشرين، يتجلى التفاعل المعقد بين الاقتصاد والرعاية البيئية في صورة مشهد تتشابك فيه خيوط الرأسمالية والتغيرات المناخية، لقد استحوذت الرأسمالية على مساحات شاسعة من النشاط الاقتصادي العالمي، مُدفوعةً بشغفٍ لا يُحدّ من النمو والتوسع، إلا أن هذا النمو لم يخلُ من تكلفة باهظة على البيئة. عبر العقود الماضية، ارتكبت الرأسمالية فظائع بيئية من خلال استغلال الموارد الطبيعية واستنزافها، مما أدى إلى ظهور أزمات مناخية لم تُعدّ فقط عواقب على الطبيعة بل أيضًا على البشرية.

تأتي محاولات الدول الرأسمالية الكبرى للانتقال إلى الطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر لتشكل ظاهرة متناقضة في سياق هذا التوجه. في الوقت الذي يُطالب فيه العالم بضرورة خفض الانبعاثات الكربونية، نرى أن الدول الكبرى تعاني من أزمات طاقة، مما يدفعها إلى العودة للاعتماد على المصادر التقليدية مثل الفحم والنفط لتلبية احتياجاتها الطاقية. يتناقض هذا مع التوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة، ويكشف عن مدى تعارض المصالح بين الحفاظ على البيئة ومتطلبات النمو الاقتصادي.

في هذا السياق، نرى أن الدول الأكثر تلوثًا مثل الصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية، هي ذاتها التي تدعو إلى خفض الانبعاثات وتطبيق سياسات بيئية صارمة على الدول النامية. تشكل هذه الفجوة في السياسات والممارسات مظهراً من مظاهر الهيمنة الاقتصادية والسياسية التي تسعى لتحقيق مصالحها على حساب البيئة العالمية.

إذن، هل يمكن للنظام الرأسمالي الحالي أن يسهم بفعالية في حماية كوكبنا؟ أم أن هناك حاجة لإعادة النظر في استراتيجيات التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة بشكل يتجاوز الأطر الراهنة؟ في هذه المقالة، سنناقش كيف أن المصالح الرأسمالية والتغيرات المناخية تتداخل بشكل معقد، مستعرضين الأسباب الطبيعية والأنشطة البشرية التي تساهم في هذه الأزمة، وسنقدم رؤية متكاملة حول كيفية تحقيق التوازن بين التقدم الاقتصادي والحفاظ على البيئة.

 

فالتاريخ المناخي هو تاريخ للرأسمالية فعلى مدار الأعوام السابقة وصلت الرأسمالية إلى مجدها على دماء وأشلاء البشرية وعلى إنتهاك قوانين الطبيعية والموارد الإنسانية وهي الآن تدفع ثمن هذا النهم والجشع الذي طلما سعت إليه في الوقت الذي أرادت الدول الرأسمالية الكبرى أن تلزم العالم من تخفيض الانبعاثات الكربونية وأن تلتزم الدول النامية التي تمتلك فائضاً من البترول والفحم أن تقلل من إنتاجها ووضعت الدول الرأسمالية خططاً قصيرة وطويلة الأمد للتخلص من إنتاج طاقة التي تعتمد على الفحم والبترول وتتجه إلى الاقتصاد الأخضر أو الطاقة المتجددة النظيفة فإذا بالدول الكبرى تنصدم بأن الحفاظ على الكوكب ومصلحة البشرية لا تتماشى مع مصلحها فالصين بعد ما أوقفت عدد من مناجم الفحم وزادت من حجم الطاقة المتجددة إذا بها تجد أن كمية الطاقة اللازمة لا تكفي مصانعها فإذا ببعض المصانع تغلق وينقطع الكهرباء عن المنازل والأحياء السكنية بشكل دائم ووصل الأمر إلى إعادة تشغيل مناجم الفحم مرة أخرى وفتحت أبواب استيراد الفحم على مصراعيه مرة أخرى فالفحم له نصيب الأسد من توليد الطاقة في الصين حيث يمثل ٧٥% من حجم توليد الطاقة وكذلك أمريكا عانت من أزمة الطاقة ودعت دول الأوبك من زيادة نشاطتها وهي الخليج بضخ مزيد من البترول واستخدمت الولايات المتحدة احتياطتها من البترول لأول مرة لسد حاجة المصانع وعانى الاتحاد الأروبي الآن من أزمة توليد الطاقة وأصبح يعتمد على روسيا في جلب الغاز الطبيعي والفحم مما جعل الخلافات السياسية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا ينحى جانبا من أجل مصالح الطاقة!!

الشاهد أن الرأسمالية لن تخدم الكوكب وأن مصلحة البشرية ليست هي حجر الزاوية وأن الهيمنة هي الأساس المحرك لرأسمالية المناخ!!!!

وهذه السياسات لها تأثير على الدول النامية من ناحية أخرى فيما يعرف بالضريبة الكربونية هي أداة تستخدمها الحكومات لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيث تُفرض على الشركات التي تطلق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الضارة. بينما تهدف هذه الضريبة إلى تشجيع الشركات على الانتقال إلى مصادر طاقة أنظف، فإن تطبيقها يمكن أن يكون له تأثيرات متباينة على الدول النامية. 

  • زيادة تكاليف الإنتاج: في الدول النامية، التي تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري الرخيص مثل الفحم والبترول، قد تؤدي الضريبة الكربونية إلى زيادة تكاليف الإنتاج. وهذا يمكن أن يؤثر سلبًا على القدرة التنافسية للمنتجات من هذه الدول في الأسواق العالمية.
  • أثر على الفقراء: الزيادة في تكاليف الإنتاج يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، مما يؤثر بشكل غير متناسب على الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تقليل القدرة الشرائية للأسر ذات الدخل المنخفض.
  • تحديات في التكيف: الدول النامية قد تواجه صعوبة في التكيف مع الضريبة الكربونية بسبب محدودية الموارد المالية والتقنية للاستثمار في تكنولوجيا الطاقة النظيفة.

فإن أكبر الملوثين في العالم هم الصين والهند والولايات المتحدة، والتي شكلت 52٪ من ثاني أكسيد الكربون في العالم في عام 2021، ويوضح الشكل التالي الدول الأكثر تلويثاً.

المصدر: إعداد الكاتب وفق بيانات global Carbon Atlas2024

يوضح الشكل السابق الدول الأكثر تلويثاً للعالم بسبب تصدره من انبعاثات كربونية، ونجد أن الصين تحتل المرتبة الأولى بنسبة 32% من حجم الانبعاثات الكربونية تليها الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 14%، ويتضح أن الدول التي تسعى للحفاظ على البيئة ومقاومة التغيرات المناخية وإلزام الدول النامية بدخول الاتفاقيات هي أكثر الدول تلويثأً للبيئة.

إن المعضلة التي تواجه الدول النامية هي حدة السياسات الدولية التي تطبق عليها تحت مايعرف بالتغيرات المناخية، والتي أصبحت جزء لا يتجزء عن التنمية المستدامة التي تسعى دول العالم لتحقيقها خلال 2030، فالبعد البيئي أصبح جانباً لجنب مع البعد الاقتصادي والاجتماعي قد وضع في مفهوم التنمية المستدامة، وحتى الأراء المخالفة لفرضية التغيرات المناخية التي تعتبر أنها التغيرات أمر طبيعي قد حدث ويحدث كل فترة زمانية، هذا العرض للتغيرات المناخية باعتبارها أمر طبيعي يتم دحضها وعدم الاكتراث به في المؤتمرات العالمية.

أما ما  يتعلق بالتغيرات المناخية الطبيعية، يُفهم من هذا المصطلح التغيرات التي تحدث في المناخ نتيجة لعوامل طبيعية غير متعلقة بالنشاط البشري. يمكن تقسيم هذه التغيرات إلى عدة فئات رئيسية، كل منها يعتمد على عمليات طبيعية وتفاعلات ديناميكية تؤثر على المناخ على مدى فترات زمنية مختلفة. دعنا نغوص في التفاصيل:

1. التغيرات الطبيعية في النشاط الشمسي

أ) الدورة الشمسية

  • التغيرات في النشاط الشمسي:  الشمس تمر بدورات نشاط شمسية تمتد عادةً إلى 11 سنة، تعرف بدورة النشاط الشمسي. تتضمن هذه الدورة تزايد وتناقص في البقع الشمسية والعواصف الشمسية.
  • التأثير على المناخ:  التغيرات في النشاط الشمسي يمكن أن تؤثر على كمية الطاقة الشمسية التي تصل إلى الأرض. في فترات النشاط الشمسي المرتفع، يمكن أن يكون هناك تأثير طفيف على درجات الحرارة العالمية، ولكن التأثير على المدى الطويل لا يسبب تغيرات مناخية كبيرة مقارنة بالعوامل الأخرى.

ب) التغيرات في النشاط الشمسي الطويل الأمد

  • التغيرات الألفية:  على مدى فترات زمنية أطول، قد تطرأ تغيرات في النشاط الشمسي تؤدي إلى تباين أكبر في المناخ، مثل فترات تتسم بارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة ببطء شديد.

2. التغيرات في المدارات الأرضية

أ) ميل محور الأرض

  • ميل المحور:  محور دوران الأرض يميل بزاوية تتغير بين 22.1 و24.5 درجة على مدار 41,000 سنة. هذا التغير في الميل يؤثر على توزيع الطاقة الشمسية على سطح الأرض.
  • التأثير على المناخ:  تغييرات الميل تؤثر على كمية وتوزيع الطاقة الشمسية التي تصل إلى المناطق المختلفة على الأرض، مما يمكن أن يؤدي إلى تغيرات في أنماط المناخ مثل العصور الجليدية.

ب) تقدم الفصول

  • التغيرات في مدارات الأرض:  مسار الأرض حول الشمس ليس دائريًا تمامًا، بل هو بيضاوي الشكل. التغيرات في شكل المدار (من دائري إلى بيضاوي) تؤثر على كمية الطاقة الشمسية التي تصل إلى الأرض.
  • التأثير على المناخ:  هذه التغيرات، المعروفة بدورات "ميلانكوفيتش"، يمكن أن تؤدي إلى تغيرات في المناخ على مدى آلاف السنين، مثل بداية وانتهاء العصور الجليدية.فدورات ميلانكوفيتش هي سلسلة من التغيرات الطبيعية في ميل محور الأرض ومدارها حول الشمس، والتي تلعب دورًا رئيسيًا في التأثير على المناخ العالمي على مدى فترات زمنية طويلة. تم تطوير هذا المفهوم من قبل عالم الفضاء الصربي نيكولا ميلانكوفيتش في أوائل القرن العشرين.

3. التغيرات البركانية

أ) الثورات البركانية

  • إطلاق الرماد والغازات:  الثورات البركانية يمكن أن تطلق كميات كبيرة من الرماد والغازات مثل ثاني أكسيد الكبريت في الغلاف الجوي.
  • التأثير على المناخ:  الرماد يمكن أن يحجب أشعة الشمس ويؤدي إلى تبريد مؤقت للغلاف الجوي. كما يمكن أن تسبب الغازات الكبريتية تفاعلات كيميائية تؤدي إلى تشكيل سحب صغيرة تتسبب في تأثيرات تبريد على المدى القصير.

ب) التغيرات طويلة الأمد

  • التأثير على التركيب الجيولوجي:  الأنشطة البركانية يمكن أن تؤثر على تكوين القارات وتوزيع المحيطات، مما يمكن أن يؤثر على أنماط الدورة الحرارية والنقل الحراري عبر المحيطات.

4. التغيرات في المحيطات

أ) التيارات المحيطية

  • تغيرات في التيارات المحيطية:  تغيرات في تيارات المحيطات، مثل تيار الخليج، يمكن أن تؤثر على توزيع الحرارة على سطح الأرض.
  • التأثير على المناخ:  تغييرات في التيارات المحيطية يمكن أن تؤدي إلى تغيرات إقليمية في الطقس والمناخ، مثل التغيرات في نمط الأمطار ودرجات الحرارة.

ب) التغيرات في مستوى سطح البحر

  • التغيرات الطبيعية:  التغيرات في مستويات سطح البحر يمكن أن تكون نتيجة للتغيرات في حجم الجليد القاري أو التمدد الحراري للمحيطات.
  • التأثير على المناخ:  هذه التغيرات يمكن أن تؤثر على النظم البيئية الساحلية والمناطق المنخفضة، مما يمكن أن يغير أنماط المناخ المحلية.

5. التغيرات في الغلاف الجوي

أ) تأثيرات الغلاف الجوي

  • التركيبة الكيميائية:  التغيرات في تركيبة الغلاف الجوي، مثل زيادة أو نقصان في بعض الغازات الطبيعية، يمكن أن تؤثر على المناخ.
  • التأثير على المناخ:  تغييرات في الغازات الطبيعية مثل الميثان يمكن أن تؤثر على الحرارة المحاصرة في الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى تغييرات في المناخ على المدى الطويل.

فالتغيرات المناخية الطبيعية تشمل مجموعة من العمليات الطبيعية التي تؤثر على المناخ على مدى فترات زمنية مختلفة. تشمل هذه التغيرات التغيرات في النشاط الشمسي، المدارات الأرضية، الأنشطة البركانية، التيارات المحيطية، وتركيبة الغلاف الجوي. بينما هذه العوامل تلعب دورًا في تشكيل المناخ، فإن الأدلة العلمية تشير إلى أن النشاط البشري في العصر الحديث له تأثير كبير ومباشر على التغيرات المناخية الحالية، ويجب أخذها في الاعتبار عند فهم التغيرات المناخية ومواجهة آثارها.

أما ما يتم ابرازه عن وتقديمه في المحافل الدولية هو أن هذه التغيرات هي من صنع الإنسان، وبسبب الطاقة الأحفورية، ويتم إخفاء الأسباب الطبيعية بشكل رئيس في كل المحافل والمؤتمرات الدولية، والعجيب أن الطلب عن النفط الذي يعد أكثر الموارد الأحفورية خطراً على التغيرات المناخية، يتزايد الطلب عليه في السنوات السابقة، والمؤشرات والتوقعات تشير أنه سيتم الاعتماد عليه ولن يتم التخلي عنه!!!

ففي الوقت الذي تسعى الدول لكبرى للتقليل من الطاقة الأحفورية يزيد الطلب العالمي على إنتاج النفط، حيث بلغ الطلب العالمي على النفط الخام (بما في ذلك الوقود الحيوي) في عام 2023 نحو 102.21 مليون برميل يوميا. ويتوقع المصدر أن ينتعش النشاط الاقتصادي والطلب المرتبط بالنفط بحلول نهاية العام، مع توقعات تشير إلى أنه قد يزيد إلى أكثر من 104 ملايين برميل يوميا.

 

النفط مادة مهمة ومتعددة الاستخدامات، تستخدم بطرق مختلفة وبأشكال مختلفة للعديد من التطبيقات. قطاع الطرق هو أكبر قطاع مستهلك للنفط في جميع أنحاء العالم . وهو يمثل ما يقرب من نصف الطلب العالمي على النفط، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الاعتماد على الكحوليات المصنوعة من البترول. تتوقع أوبك أن يصل الطلب العالمي على المنتجات النفطية إلى 110 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2045، مع توقع أن تظل وقود النقل مثل البنزين والديزل المنتجات الأكثر استهلاكًا. ومن المتوقع أن يبلغ الطلب على الديزل والغازولين 30.1 مليون برميل يوميًا في عام 2045، ارتفاعًا من 27.6 مليون برميل في عام 2021. ومن المتوقع أن يبلغ الطلب على البنزين 27.6 مليون برميل بحلول عام 2045.

فالنفط لا يستخدم فقط في توليد الطاقة فحسب بل يتم ادخاله في كثير من المنتجات الهامة للتصنيع والزراعة، فالنفط هو مصدر أساسي للعديد من المنتجات التي نستخدمها في حياتنا اليومية. عندما يتم معالجة النفط الخام في المصافي، يتم تحويله إلى مجموعة واسعة من المنتجات. إليك بعض المنتجات الرئيسية التي تصنع من النفط:

  • البنزين والديزل: يُستخدم البنزين في تشغيل السيارات والمركبات الأخرى، بينما يُستخدم الديزل في محركات الديزل الثقيلة مثل الشاحنات والحافلات.
  • الغاز الطبيعي: يُستخدم كوقود لتوليد الطاقة والطبخ والتدفئة.
  • الكيروسين: يُستخدم كوقود للطائرات وأيضًا في بعض تطبيقات الإضاءة والتدفئة.
  • الزيوت والشحوم: تُستخدم في تزييت المحركات والآلات، وهي ضرورية لصيانة وتشغيل المعدات.
  • الأسفلت: يُستخدم في بناء الطرق وإصلاحها، وأيضًا في تطبيقات العزل.
  • المنتجات البتروكيماوية: مثل الإيثيلين والبروبيلين، والتي تُستخدم في تصنيع البلاستيك، والألياف الاصطناعية، والمطاط، والمواد الكيميائية الأخرى.
  • المنتجات الكيماوية: مثل الأسمدة والمبيدات الحشرية.

كل من هذه المنتجات يلعب دورًا حيويًا في حياتنا اليومية والاقتصادات العالمية، حيث تساهم في كل شيء من النقل والتدفئة إلى التصنيع والبناء. هل العالم على استعداد للتخلي عن هذه المنتجات من أجل إنتاج طاقة نظيفة!!!

فما تقرره الرأسمالية يجب إعادة النظر فيه وما يتم فرضه من قبل المؤسسات الدولية لا يمكن اعتباره مسلم به دون النظر في معطياته ودوافعه، فالتغيرات المناخية في بداية القرن العشرين كانت مجرد مرحلة من مراحل النمو الاقتصادي وهو شيء لازم للتقدم الصناعي وسيزول مع ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي،  حيث جادل كوزنتس بأن التلوث البيئي يميل إلى الانخفاض في المراحل اللاحقة من النمو الاقتصادي، حيث يرتكز النمو في الاستثمارات في رأس المال البشري والبنية التحتية. ويؤدي هذا إلى زيادة كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، وإلى تطوير تقنيات صديقة للبيئة.يمثل منحنى كوزنتس البيئي هذه العلاقة بين النمو الاقتصادي والتلوث البيئي. ويأخذ منحنى كوزنتس البيئي شكل حرف "U" المقلوب، إذ يكون التلوث البيئي مرتفعًا في البداية، ثم ينخفض إلى مستوى أدنى في المراحل اللاحقة من النمو الاقتصادي.

وعلى الرغم من الادعاءات التي تدعمها المؤسسات الرأسمالية فيما يتعلق من التقليل من الطاقة الأحفورية كما ذكرنا أنها من أكثر الدول تلويثاً للمناخ، فهي مع ذلك أكثر الدول امتلاكاً للمفاعلات النووية لتوليد الطاقة!!!!!!!

فالدول الأكثر تلويثاً للكرة الأرضية هي الدول المتقدمة والصناعية، وحتى الدول النامية التي تعج بانبعاثات أكسيد الكربون سبب هذه الانبعاثات هي الوقود الأحفوري الذي يتم تصديره إلى الدول المتقدمة، والشركات المنفذة لهذه العملية هي الشركات عابرة القارات التي تمتلكها الدول المتقدمة، بالإضافة إلى حجم المفاعلات النووية اتي تستخدمها الدول المتقدمة في إنتاج الطاقة، ومفاعلاً وفقًا لتقرير حالة الصناعة النووية العالمية لعام2022، ارتفع توليد الطاقة النووية العالمية بنسبة 3.9 % في عام 2021، وهو نفس المعدل الذي انخفض به في عام 2020. وفي عام 2022، كان هناك 411 مفاعلًا عاملاً حول العالم - أي أقل بـ 26 مفاعلًا عما كان عليه في عام 2011 . وهناك 29 أخرى قيد التخزين طويل الأجل حاليًا، و53 قيد الإنشاء - أكثر من نصفها في الصين والهند.

السيارات الكهربائية وتلوث المناخ:

أما ما يتعلق بالسيارات الكهربائية التي يتم الزعم أنها لا تستخدم الطاقة الأحفورية فهذا ادعاء يكذبه الواقع ويدفعه، في الوقت الذي تحاول كبرى الدول حث الدول على التوجه نحو السيارات الكهربائية كبديل للسيارات التي تعمل بالطاقة الأحفورية البترول والغاز ومشتقتهما من أجل التقليل من الانبعاثات الكربونية ابتداء من عملية استخراج البترول وتكريره وإنتهاء بخروج التلوث من شكومانات السيارات، المشكلة إن دا وضع نحو التحول إلى #الاقتصاد_الأخضر كأحد متطلبات التحويل لستخدام طاقة نظيفة!!

إلا أن الحقائق العلمية تكشف أن السيارات الكهربائية هي أكثر إضراراً بالبيئة والإنسان!!

هناك تقرير لمنظمة SOMO والمهتمة بمراقبة أنشطة الشركات متعددة الجنسيات في العالم تكشف عن الآثار الاجتماعية والبيئية المرتبطة بتعدين المعادن الرئيسية (الليثيوم والكوبالت والنيكل والجرافيت والمنغنيز) لإنتاج بطاريات Li-ion مدمرة وواسعة الانتشار. سيؤدي الامتصاص الشامل للسيارات الكهربائية إلى مزيد من التعدين واستهلاك الطاقة ، مما يزيد من هذه التأثيرات ، مما يثير مخاوف اجتماعية وبيئية خطيرة حول الانتقال من الاعتماد على النفط إلى الاعتماد على المعادن للتنقل.

فانظر إلى العمر الإفتراضي للبطارية وكم استهلاكها في السنة وهذا يضاعف عملية البحث والتنقيب عن المعادن اللازمة لإنتاج السيارات وبالتالي مزيداً من الطاقة التي تعتمد وبشكل كبير على الفحم والبترول في إنتاجها!!!

وسترى  أن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والصين هم أكثر الدول إنتاجاً لهذا النوع من السيارات وبينهم منافسة شرسة في هذا الإطار، ودا طبعاً ممكن يفسر لك العلاقات الجيوسياسية التي تلعبها الصين في المنطقة وخاصة مع أفغانستان باعتبارها من أكبر الدول احتياطاً من المعادن النفيسة وخاصة الليثيوم الذي يعد أهم عنصر في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية!!!!

وفي النهاية ستجد أن استخدام الغاز الطبيعي في السيارات يقلل من الإنبعاثات أكثر من السيارات الكهربائية!!!!!

إنتاج البطاريات الكهربائية، خصوصًا بطاريات الليثيوم أيون، يعتبر عملية معقدة وتستدعي استخدام كميات كبيرة من الطاقة والموارد. لنستعرض هذا الجانب بشكل مفصل:

1- العملية الإنتاجية للبطاريات:

أ) استخراج المواد الخام

المعادن الأساسية: تصنيع بطاريات الليثيوم أيون يتطلب استخراج معادن أساسية مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل. يتم استخراج هذه المعادن من المناجم، وهي عملية تتطلب طاقة كبيرة وتسبب تأثيرات بيئية.

الليثيوم: غالبًا ما يتم استخراجه من المناجم أو من المحلول الملحي، ويمكن أن تكون عمليات استخراجه ضارة بالبيئة، خاصة في مناطق ذات موارد مائية محدودة.

الكوبالت: يُستخرج بشكل رئيسي من جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يُعرف بتأثيره البيئي والاجتماعي الكبير، بما في ذلك الظروف غير الإنسانية في بعض الأحيان.

النيكل: تُستخرج من المناجم وتستدعي معالجة مكثفة.

ب) معالجة المواد الخام

التكرير والتصنيع: بعد استخراج المواد الخام، يجب معالجتها وتكريرها إلى مواد قابلة للاستخدام في تصنيع البطاريات. هذه العمليات تستهلك كميات كبيرة من الطاقة وقد تكون مصحوبة بانبعاثات بيئية.

ج) تجميع البطاريات

التركيب والتجميع: يتم تجميع المواد الأساسية في خلايا البطاريات ثم دمجها في وحدات بطارية متكاملة. يتطلب هذا الجزء من العملية تقنيات متقدمة وبيئة تصنيع تحت رقابة صارمة لضمان الجودة والأمان.

2-  الآثار البيئية لإنتاج البطاريات:

أ) استهلاك الطاقة

كمية الطاقة المطلوبة: تصنيع بطاريات الليثيوم أيون يتطلب كميات كبيرة من الطاقة، وهذا يمكن أن يكون مصحوبًا بزيادة في انبعاثات الكربون، خاصة إذا كانت الطاقة المستخدمة تأتي من مصادر أحفورية.

ب) الأثر البيئي لاستخراج المعادن

الاحتياجات البيئية: استخراج المعادن يتسبب في تدهور البيئة، بما في ذلك تلوث المياه والهواء والأرض، وتدمير المواطن الطبيعية.

ج) تأثيرات اجتماعية

العمل والظروف الاجتماعية: في بعض البلدان التي تُستخرج منها المواد الخام، يمكن أن تكون ظروف العمل سيئة، مما يثير قضايا أخلاقية واجتماعية.

الألواح الشمسية:

عمر الألواح الشمسية:

الألواح الشمسية، أو الألواح الكهروضوئية، تُستخدم لتحويل ضوء الشمس إلى طاقة كهربائية. بينما تعتبر الألواح الشمسية من مصادر الطاقة المتجددة التي تُعدُّ ذات فوائد بيئية واقتصادية كبيرة، فإن عمرها الافتراضي هو جانب يفسر لنا مدى قدرة الاعتماد على الألواح كمصدر متجدد من عدمه.

أ) العمر الافتراضي النموذجي

  • مدة التشغيل الفعالة: الألواح الشمسية عادةً ما تكون مصممة للعمل بفعالية لمدة تتراوح بين 25 إلى 30 عامًا. في هذه الفترة، تبقى الألواح قادرة على تحويل الطاقة الشمسية إلى كهرباء بكفاءة، ولكن قد يتقلص الأداء تدريجيًا مع مرور الوقت.
  • كفاءة الإنتاج: الألواح الشمسية عادةً ما تُصنع لتحتفظ بكفاءة تصل إلى 80-90% من كفاءتها الأصلية بعد 25 عامًا من الاستخدام. هذا يعني أن قدرتها على توليد الطاقة قد تنخفض تدريجياً، ولكنها تظل قابلة للتشغيل بشكل موثوق حتى بعد عدة عقود.

ب) العوامل المؤثرة على العمر الافتراضي

  • الجودة والبناء: نوعية المواد المستخدمة في تصنيع الألواح وجودة التصنيع تلعبان دورًا كبيرًا في عمر الألواح. الألواح عالية الجودة تميل إلى أن تكون أكثر دوامًا.
  • الظروف البيئية: الظروف الجوية، مثل درجات الحرارة المرتفعة، الرطوبة، الأمطار، والتعرض للأشعة فوق البنفسجية، يمكن أن تؤثر على عمر الألواح. الألواح الشمسية المصممة لتحمل الظروف المناخية القاسية ستكون أكثر قدرة على الصمود لفترات أطول.
  • الصيانة: الصيانة الجيدة، بما في ذلك تنظيف الألواح بشكل دوري وإصلاح أي تلف، يمكن أن يساعد في إطالة عمر الألواح الشمسية وضمان استمرار كفاءتها.

2. التقنيات الحديثة وتطور الألواح الشمسية

  • تحسينات في التكنولوجيا: التطورات المستمرة في تكنولوجيا الألواح الشمسية قد تؤدي إلى تحسينات في متانة الألواح وعمرها الافتراضي. تقنيات مثل استخدام مواد جديدة أو تحسينات في تصميم الألواح يمكن أن تساهم في تحسين الأداء والعمر.
  • الألواح ذات العمر الطويل: هناك نوعيات من الألواح الشمسية تتضمن تقنيات جديدة مثل الألواح الزجاجية-الزجاجية (glass-glass panels) التي تكون أكثر مقاومة للعوامل البيئية ويمكن أن تتمتع بعمر افتراضي أطول مقارنة بالألواح التقليدية.

3. ضمانات الألواح الشمسية

  • ضمان الأداء: معظم الشركات المصنعة توفر ضمانات تتعلق بالأداء، والتي تضمن أن الألواح ستعمل بكفاءة معينة (عادةً 80% من كفاءتها الأصلية) على مدار فترة زمنية محددة، غالبًا ما تكون 25 عامًا.
  • ضمانات المنتج: هناك أيضًا ضمانات تتعلق بالجودة والتصنيع، والتي توفر حماية ضد العيوب في المواد والتصنيع.

4. إعادة التدوير والتخلص من الألواح الشمسية

  • إعادة التدوير: عندما تنتهي فترة حياة الألواح الشمسية، يمكن إعادة تدويرها لاسترداد المواد القيمة مثل السيليكون والمعادن الأخرى. تطوير تقنيات إعادة التدوير الفعالة مهم للتعامل مع الألواح التي وصلت إلى نهاية عمرها الافتراضي.
  • التخلص الآمن: من الضروري اتباع أساليب التخلص الصحيحة لضمان عدم إضرار الألواح المستعملة بالبيئة.

فالألواح الشمسية تُعتبر استثمارًا طويل الأمد في الطاقة المتجددة، وعادةً ما يكون لها عمر افتراضي يتراوح بين 25 إلى 30 عامًا. يتميز هذا العمر بالكفاءة العالية في تحويل ضوء الشمس إلى طاقة كهربائية، ولكن الكفاءة قد تتراجع تدريجيًا مع الزمن. تتأثر الألواح الشمسية بعوامل مثل جودة التصنيع والظروف البيئية، ويمكن أن يتسبب التحسين التكنولوجي في إطالة عمر الألواح.

خلاصة 

تتناول المقال تأثير الرأسمالية على التغيرات المناخية والتناقض بين الدعوات للتقليل من الانبعاثات الكربونية وواقع الدول الرأسمالية الكبرى. تاريخ الرأسمالية يظهر أن التقدم الاقتصادي الذي تحقق على حساب الموارد البشرية والبيئية أدى إلى أزمة مناخية كبيرة. الدول الرأسمالية الكبرى، التي كانت في صدارة التلوث، تتطلب من الدول النامية تقليل إنتاجها من الطاقة الأحفورية، بينما تعاني هي من أزمات طاقة دفعتها لإعادة استخدام الفحم والغاز.

الصين، على سبيل المثال، عادت إلى استخدام الفحم بعد محاولات لتقليل الاعتماد عليه، وأمريكا والاتحاد الأوروبي يواجهان أيضًا تحديات في تأمين الطاقة. وبينما تدعو الدول الرأسمالية للانتقال إلى الطاقة المتجددة، فإنها تتناقض مع ممارساتها على الأرض، حيث تستمر في الاعتماد على النفط والفحم.

تسعى الدول المتقدمة لتقليل استخدام الطاقة الأحفورية، لكن الطلب العالمي على النفط لا يزال مرتفعًا. تواجه الدول النامية ضغوطًا للامتثال لسياسات التغير المناخي، رغم أن التلوث العالمي يأتي بشكل كبير من الدول المتقدمة. المقال يشير إلى التناقض بين السياسات الدولية والواقع البيئي، ويبرز أن الدول الرأسمالية لم تحقق التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة.

تُبرز النقاط الرئيسية أيضًا التأثيرات البيئية لإنتاج البطاريات الكهربائية، حيث أن التعدين للمعادن مثل الليثيوم والكوبالت يؤثر سلبًا على البيئة. في النهاية، المقال يدعو لإعادة تقييم السياسات البيئية الدولية ويشدد على أن التغيرات المناخية تتطلب معالجة أعمق من مجرد التوجه نحو الطاقة النظيفة، مع الاعتراف بتأثيرات التنمية الصناعية الرأسمالية على المناخ.

تم نسخ الرابط