مرت أكثر من 4700 عامًا، على طقوس احتفالية “شم النسيم”، والتي بدأت رسميًا في نهاية الاسرة الثالثة، في عام 2700 قبل الميلاد، ومن وقتها ظل الإحتفال بهذا العيد الشعبي، أقدم عيد في مصر، بل في تاريخ الإنسانية جمعاء، نحتفل بها هذا العام يوم 6 مايوم 2024.
وتصادف هذه الاحتفالية، عيد شم النسيم، الذي يجتمع عليه كل المصريين، فهو يصادف لدي اليهود والمسيحيين المصريين، فهو يصادف عند اليهود عيد الفصح،ويوافق عند المسيحيين عيد القيامة، ويعتبره المسلمين عيدًا لفصل الربيع.
أصل تسمية يوم شم النسيم
ارتبطت منذ قديم الزمن تسمية “شم النسيم”، بالتقويم الزراعي لأن كلمة “شمو”ن تعني فصل الصيف، وفقًا لما جاء في كتابات الدكتور عبد الحليم نور الدين، ضمن كتاباته في اللغة المصرية القديمة.
وأضح “نور الدين” في كتابه أيضًا، إلى أن المصري القديم، قام بتقسيم العام إلى “3 فصول”، مرتبطة بالدورة الزراعية؛ حيث تبدأ رأس السنة المصرية، مع فصل الفيضان (آخت)، الذي يوافق ظهور نجم الشعرى اليمانية، الذي يحدث في يوم 19 يوليو بتقويمنا الحالي.
ثم يأتي فصل بذر البذور “برت”، الذي يبدأ في شهر نوفمبر، ويوافق ظهور الأرض بعد انحصار الفيضان، وفصل الصيف “شمو” الذي يبدأ في شهر مارس وينتهي في يوليو
كما تعني كلمة “شمو” أيضا “الحصاد”، بحسب عالم المصريات وليم نظير، وقد رمز له بالعلامة الهيروغليفية “عنخ”، أي أنه فصل الحياة، وجاءت التسمية الحالية، من تحريف “شمو” إلى “شم” عبر السنين، وأضيفت إليها النسيم، في إشارة إلى اعتدال الجو، وقدوم الربيع.
وكان عيد شم النسيم وثيق الصلة، في وجدان المصريين القدماء ببداية الخلق؛ إذ كانت لديهم في معتقداتهم الدينية، نظريات يفسرون من خلالها كيف نشأ الكون.
ومن بين تلك النظريات، أن الكون بأكمله “انبثق من بيضة كبيرة”، لذا فإن لاحتواء مائدة أعياد شم النسيم على البيض، دلالة دينية مهمة.
وكان لجمال الطبيعة تعبيرًا آخر، عن فلسفة بدء الخلق، التي طغت على عيد شم النسيم، وكان سرور المصريين بالغًا، إذ تعم الاحتفالات الشعبية والرسمية؛ ويشترك فيه الفرعون والوزراء والعظماء، فهو العيد الحياة ويتجدد النبات وينشط الحيوان لتجديد النوع.
ويخرج الناس في عيد “شم النسيم”، أفواجا وجماعات إلى الحدائق، والمتنزهات والحقول للتريض، ويستنشقون رائحة الزهور، ويستمتعون بالورود والرياحين، تاركين وراءهم متاعب الحياة وهمومها.
من أهم مظاهر الاحتفال بيوم شم النسيم
ووصف عالم المصريات وليم نظير، في كتابه “الثروة النباتية عند قدماء المصريين”، مظاهر احتفال المصريين، بقدوم شم النسيم؛ قائلا: “اعتاد القوم أن يستيقظوا مبكرين.. لتحفيز الهمم والنشاط.. رمزًا لمن أطاعوا الإله (حتحور)، فيخرجوا عند الفجر حاملين أواني البيرة – ولونها يشبه الدم المسفوك – ليسكبوها قبل فتكها وإهلاكها البشر أجمعين”.
واعتاد المصريون، أن يحملوا معهم طعامهم وشرابهم، ويركبوا الزوارق الخفيفة على سطح النيل، ويغنون على أنغام الناي والمزمار، ويرقصون ويصفقون ويقضون يومهم في لهو ومرح وسرور.
أما أحب الأطعمة، التي كانت تمتلئ بها موائد المصريين في ذلك اليوم؛ فكان البيض والسمك المملح (الفسيخ) والبصل والخس والحمص الأخضر (الملانة) ولحم الأوز المشوي.
وكان البيض يرمز لخصب الطيور، وموعد ظهور جيل جديد منه، في إشارة لنظرية بدء الخلق، لكنهم كانوا يقللون من أكله، بعد فصل الربيع، لأنه بعد هذا الموعد يصبح “غير مقبول”، كما اعتادوا تجفيف السمك وتمليحه، كما هو الحال اليوم.
ويذكر “هيرودوت”، أن المصريين كانوا يأكلون السمك، ويجففون بعضه في الشمس ویأکلونه نیئا، ويحفظون بعضه الآخر في الملح، ولا شك أنه يقصد “لملوحة” أو “الفسيخ”، حيث كانوا يرون أن أكلها مفيد أثناء تغير الفصول.
أما البصل، فقد عثر على بعض النقوش الفرعونية، التي تشير إلى تقديسه، إذ كانوا يعلقونه حول أعناقهم، بخاصة في عيد “نتر يت”، الذي يقع مع عيد الربيع في “29 كيهك”، فيطوفون حول الدار البيضاء في منف تبرکًا به.
ومن العادات الشائعة لدى البعض حينها؛ أن يعلقوا البصل فوق أسرة نومهم، ثم يشمونه في الصباح الباكر، ويعلقون حزمًا منه على أبواب دورهم، اعتقادًا منهم بأنه يطرد الأمراض.
كما اعتادوا أن يقربوا البصل، من الطفل عند ولادته ليشمه، لما له من رائحة نفاذة، ومن ثم أصبح البصل تقلیدًا يؤكل مع الفسيخ في عيد شم النسيم.
العلاقة بين أعياد “الفصح” و”القيامة” و”شم النسيم”
ويعتبر عيد شم النسيم، وثيق الصلة بعيد الفصح لدى اليهود، فعندما خرجوا من مصر، في عهد سيدنا موسی علیه السلام، كان ذلك اليوم يصادف، موعد احتفال المصريين ببدء الخلق، وأول الربيع، واعتبروه رأسها لسنتهم الدينية.
وقد سموا يوم خروجهم بـ”الفصح”، وهي كلمة عبرية بمعنى “اجتاز” أو “عبر”، واشتقت منها كلمة “البصخة”، في إشارة إلى نجاتهم وتحريرهم، عندما ذبحوا خروف الفصح.
وهكذا اتفق عيد الفصح العبري، مع عيد الخلق المصري “شم النسيم”، ثم انتقل الفصح بعد ذلك إلى المسيحية، لموافقته موعد “قيامة السيد المسيح”، وبانتشار المسيحية في مصر، أصبح عيدهم يلازم عيد المصريين القدماء، ويقع دائمًا في يوم الاثنين، في اليوم التالي لعيد الفصح “القيامة”، كما جاء في كتاب “مختصر الأمة القبطية”.
أما “شم النسيم”، فهو عید وطني قديم، اتخذه القبط في أول فصل الربيع، ليكون رأسًا لسنتهم المدنية غير الزراعية.