الدكتور هشام حنضل يكتب: معضلة قيمة العملة المحلية «2»
تناولنا في المقال السابق قيمة العملة المحلية داخليا وخارجيا وبينا كيف يتحدد سعر صرف العملة في حال إتباع نظام الصرف الثابت، ويعني ربط قيمة العملة المحلية بعملة او سلة عملات لها قبول دولي للتحويل إلى ذهب أو دولار أمريكي.
ويأتي السؤال: كيف يتم تثبيت قيمة العملة المحلية في ظل نظام الصرف الثابت؟ الاجابة أن المصرف المركزي في الدولة يحافظ على العلاقة الثابتة بين العملة المحلية والعملة الصعبة. ولتوضيح ذلك نأخذ حالة الدينار البحريني مثالا. كما ذكرنا أن الدينار البحريني مثبت عند 2.64 دولار. والأن نفترض أن قيمة الدينار أصبحت تتبادل عند 3 دولار هذا يعني ارتفاع قيمة الدينار وفي المقابل إنخفاض قيمة الدولار وهنا يتدخل المصرف المركزي البحريني بشراء دولارات من السوق البحريني ومن ثم يزيد الطلب على الدولار، فترتفع قيمته في مقابل الدينار، فتعود قيمة العملتين إلى القيمة المحددة الثابتة والعكس يقوم به المصرف المركزي البحريني في حالة إرتفاع قيمة الدولار، فمثلا إذا أصبح الدينار يتبادل بدولارين فقط، بما يعني إرتفاع قيمة الدولار وإنخفاض قيمة الدينار في السوق البحريني، عندئذ يقوم المصرف المركزي البحريني ببيع دولارات في السوق البحريني فيزيد المعروض من الدولارات في السوق، فتنخفض قيمته في مقابل الدينار ويعود سعر الصرف إلى قيمته المحددة.
وقد تلجأ الحكومة او المصرف المركزي إلى تخفيض قيمة العملة او رفع قيمتها، والسبب الرئيس لذلك يكون علاج مشكلة في ميزان مدفوعات الدولة، فمثلا إذا كان ميزان المدفوعات يعاني من عجز أي أن قيمة الواردات تفوق قيمة الصادرات، يقوم المصرف المركزي بتخفيض قيمة العملة، وهذا يعني إنخفاض أسعار المنتجات المحلية بالنسبة للاجانب، فيزيد طلب الأجانب على المنتجات المحلية فتزيد الصادرات، وفي ذات الوقت يقل الطلب المحلي على المنتجات الاجنبية فتقل الواردات، ومن ثم يختفي او يقل عجز ميزان المدفوعات. وعلى النقيض يقوم المصرف المركزي برفع قيمة العملة في حال وجود فاذض مستمر في ميزان المدفوعات وبالتالي تزيد الواردات المحلية من المنتجات الأجنبية وتقل الصادرات المحلية من المنتجات المحلية، فتقل حدة الفائض في ميزان المدفوعات.
أما النوع الثاني من نظم الصرف فهو نظام الصرف المرن أو المعوم، وفيه يترك سعر صرف العملة أي قيمتها بالنسبة للعملات الاخرى وفقا لقوى السوق أي للعرض والطلب على العملة، فزيادة الطلب على العملة المحلية ترتفع قيمتها، وزيادة عرض العملة في السوق تنخفض قيمتها، والعكس بالعكس.
والسؤال الجوهري الأن هو ما هي العوامل التي تزيد الطلب على العملة وما هي العوامل التي تزيد من عرض العملة؟. هنا نقر أن الطلب على العملة هو طلب مشتق على المنتجات المحلية، فزيادة الطلب على المنتجات المحلية و/أو الأوراق المالية المصدرة بالعملة المحلية من جانب الأجانب يتطلب زيادة الطلب على العملة المحلية، وإنخفاض الطلب على المنتجات المحلية و/أو الأوراق المالية المصدرة بالعملة المحلية من جانب الأجانب يعني إنخفاض الطلب على العملة. ومن الناحية الأخرى فإن زيادة الطلب على المنتجات الأجنبية من قبل المواطنين يتطلب عرض العملة المحلية لشراء عملة الدولة الأجنبية، والعكس فإنخفاض الطلب المحلي على المنتجات الاجنبية يعني إنخفاض عرض العملة المحلية.
أما النوع الثالث والأخير لنظم الصرف هو نظام الصرف المدار، حيث يتم السماح لقيمة العملة الحلية بالتغير إرتفاعا وانخفاضا في حدود معينة، ويتدخل المصرف المركزي في حال تعدى التغير تلك الحدود. ولتوضيح الفكرة نفترض أن العلاقة بين الجنيه المصري والدولار الأمريكي هي واحد دولار يساوي ثلاثون جنيها، ويسمح المصرف المركزي المصري أن تتارجح تلك العلاقة وبين 32 جنيها و28 جنيها للدولار الواحد وداخل هذه الحدود لا يتدخل المصرف المركزي ولكن إذا تعدى التغير تلك الحدود يقوم المصرف المركزي المصري بشراء او بيع دولارات ليعيد القيمة للحدود المسموح بها، فمثلا إذا أصبحت العلاقة بين العملتين هي دولار يتبادل 34 جنيها، بما يعني إنخفاض قيمة الجنيه المصري وإرتفاع قيمة الدولار الأمريكي، عندها يقوم المصرف المركزي المصري ببيع دولارات في السوق فيريد عرض الدولارات ومن ثم تنخفض قيمته ويستمر ذلك حتى تعود سعر الصرف بين العملتين إلى الحدود المسموح بها، والعكس يحدث بشراء دولارات في السوق في حال إنخفاض قيمة الدولار عن الحد المسموح به.
في مقالنا القادم بحول الله سنتناول الحديث عن تأثير أسعار الفاذدة على قيمة العملة المحلية خارجيا أي سعر صرفها.
أ.د. هشام حنضل عبدالباقي الجعبيري
رئيس قسم الاقتصاد – كلية التجارة – جامعة المنصورة
Email: [email protected]