بقلم/ د. راندا رزق، أستاذ الإعلام التربوي _ جامعة القاهرة
عشرة أشهر فقط قضاها اللواء منصور العيسوي وزيرًا للداخلية، فترة قصيرة لكنها كانت فى غاية الصعوبة، حيث تولي حقيبة الوزارة بعد أحداث الخامس والعشرين من يناير في وزارة عصام شرف بدلاً من الوزير السابق اللواء محمود وجدي، ورغم صعوبة التوقيت والظرف، خاصةً أن الحالة الأمنية وقتها كانت غير منضبطة، إلا أن الرجل بكل شجاعة قبل المهمة وعمره أربعة وسبعون عاماً، لما ولا، فهو رجل صعيدي معروف عنه الشهامة والصدق والأمانة والوقف بجانب دولته، كما كان معروفًا عنه بالاستقامة وأخلاقه الطيبة وخبرهت الطويلة.
مستوصف طبي بنصف ثروته
لم يهمه فى قبول المهمة المنصب أو الكرسي، وإنما كان شغله الشاغل الحفاظ على أمن واستقرار بلده، والخروج بها إلى بر الأمان، كما كان مشهودًا له بمكافحته للفساد وقت أن كان محافظاً للمنيا ويحظي بشعبية كبيرة نتيجةً لهذا بين أهالي المحافظة، ومن كان قريبًا منه يعلم جيدًا أن حياته كلها كانت فى سبيل مساعدة الفقراء واليتامى فخصص نصف ثروته لبناء مستوصف طبي بحي شبرا مصر، وكان يرفض الاستثناءات، يده نظيفة ويحب القراءة والاطلاع باستمرار في جميع المجالات، وحافظا للقرآن الكريم، وعاشقًا لآل البيت وكان دائم التردد على مسجد السيدة نفيسة.
هيبة التواضع وحزم القائد
وبحكم صلة القرابة التي بيننا فهو أبن عمة والدي، تعلمت منه القيادة والثقافة والانضباط والحزم في القرارات التي تخدم الصالح العام، تعلمت منه أيضًا أن الكراسي ليست دائمة لأحد، وأن الحياة فانية وزائلة، حياته كانت طبيعية دون تكلف، عاش متواضعًا لدرجة كان يحسده عليها الجميع، فكان يذهب بين الحين والآخر لشراء بعض مستلزماته بنفسه دون تقيد بالحراسة التي كانت ترافقه بحكم منصبه، فلم يكن رجل شرطة عادي، فقد تحمل ضغوطات كبيرة ألقيت على كاهله خلال الفترة التي أعقبت الثورة.
مفيش استثناءات حتى للوزير
مواقفه الإنسانية شاهده على شجاعته، فعقب حادث الأقصر «الإرهابي» والذي أسفر عن مقتل 58 سائحا، كان للعيسوي موقفا شجاعا حينما اعترض على قرارات حبيب العادلي بنقل جميع ضباط مكتب وزير الداخلية الأسبق حسن الألفي.
ومن مواقفه التي لا تنسي أنه في أحد الايام وفى أثناء عودته لمنزله، لاحظ الوزير الراحل أن قوات الشرطة وضعت حواجز حول مسكنه القريب من حديقة الحيوان، فغضب وأصدر قرارا بإزالة الحواجز، قائلا:«مفيش استثناءات حتى للوزير.. الناس كلها سواسية».
أجرأ قرار في تاريخ العيسوي
تولي العيسوي الوزارة وهو علي يقين تام أنها مهمة صعبة، لكنه لم يتأخر، سعي بكل جهده لاستعادة واستتباب الأمن بالبلاد، وإعادة الثقة بين الشرطة والشعب، وفور تعينه أصدر قراراً في 15 مارس 2011 بإلغاء مباحث أمن الدولة بكل إداراتها ومكاتبها في كل محافظات مصر واستبداله بـ”جهاز الأمن الوطني”، كما خفض الحراسة الشخصية وموكب الوزير إلى أقصى حد.
لقطات من حياة الوزير الإنسان
ولد الوزير منصور العيسوي فى مدينة إسنا بمحافظة قنا سابقا الأقصر حاليًا، التحق بكلية الشرطة وتخرج فيها عام 1959م، وبدأ حياته الشرطية في مديرية أمن القاهرة، وتدرج في المناصب، حتى وصل إلى مفتش أمن القاهرة، ثم وكيلاً لإدارة مباحث القاهرة، ثم مديراً لأمن الجيزة 1988، واستمر بها 3 سنوات. وعين مساعد وزير الداخلية بشمال الصعيد 1991، ثم مساعداً لوزير الداخلية لوسط الصعيد 1992، ثم مساعداً أول للوزير ومديراً لأمن القاهرة 1993، ثم مساعداً أول لوزير الداخلية للأمن العام 1995، ثم عُيّن محافظاً للمنيا 1996 حتى 1997.
رحل اللواء منصور العيسوي، عن عالمنا فى صمت داخل أحد المستشفيات، بعد صراع مع المرض، تاركًا سيرة عطرة وذكرى طيبة، وروحاً نقية، وإنجازات مضيئة.. رحمه الله رحمة واسعة والهم أهله الصبر والسلوان.