قالت دار الإفتاء المصرية، انتشر على ألسنة المصريين قولهم عند سؤالهم عن شخصٍ قد توفاه الله تعالى ولم يعلم السائل بوفاته: “ربنا افتكره”.
ويتبادر إلى ذهن السامع على الفور دون حاجةٍ إلى قرينةٍ أو توضيحٍ أنَّ المسئول عنه قد توفِّي وانتقل إلى رحمة الله تعالى؛ ولا حرج فيه شرعًا، ولا يجوز إساءة الظنِّ بحمل معناه على ما يدل عليه ظاهرُهُ اللغويُّ مِن نِسبة سَبْقِ النسيان إلى الله تعالى -حاشاه سبحانه وتقدَّس شانُهُ-، بل الواجب حملُهُ على المعنى المجازي العُرفي الحسن وهو الرحمة.
وأضافت دار الإفتاء في منشور على صفحتها الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، أن هذه المقولة من المصريين متضمنة التعبيرَ عن رجائهم خروج المتوفى من ضيق الدنيا إلى سعة رحمة الله بعد الموت الذي لا يضام من ضمَّه إلى رحابه، ومتضمنة كذلك التعبيرَ عن أنَّ الوفاة في حدِّ ذاتهـــا راحةٌ للمؤمن من عناء الدنيا وشقائها، وهذه كلها معانٍ حسنة، وَرَدَت بهـــا النصوص الشرعيَّة وعبرت عنها الشخصية المصرية.
وردا على احد القراء، قالت دار الإفتاء، لقد تواردت النصوص من المذاهب الفقهية بأنَّه إذا تردَّد كلام الناس بين الصحة وغيرها؛ فإنه يُحمَل على المعنى الصحيح منه، فإذا تَبَيَّن القصد والنية وَجَبَ صرف المعنى إليهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» متفق عليه.
وقد تقرَّر في قواعد الشرع أنه “لا عبرة بالظنِّ البَيِّنِ خَطَؤُهُ”؛ والظن في هذا الادعاء -من نسبة النسيان إلى الله تعالى قصدًا من قائل عبارة “ربنا افتكره”- بَيِّنٌ خطؤُهُ، وذلك بدليل ظاهر القرآن الكريم؛ فقد كثرت الآيات التي إن حُمِلَت على حقيقتها اللغوية، فُهِمَ منها نسبة النقص إلى الله تعالى.
حيث جاء لفظ النسيان في كثير من الآيات مضافًا إلى الذات الإلهية، ومع حفظ المسلمين للقرآن الكريم جيلًا عن جيل، لم يتبادر إلى ذهن أيٍّ منهم أن المقصود منه حقيقةُ النسيان في اللغة والتي هي ضعفٌ في الْـمَلَكَةِ العقلية عند استحضار المعاني والأشياء بعد حفظها، بل المتبادر إلى الذهن فورًا هو تَرْكُ الله تعالى بإرادته رحمةَ العاصينَ بسبب سَبْقِ نسيانهم ما أمرهم به سبحانه من قبل؛ وذلك في مثل قول الله تعالى: ﴿نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: 67].
واكدت دار الإفتاء روي عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسيره لقوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا﴾ أنه قال: “نَتْرُكُهُمْ مِنَ الرَّحْمَةَ، كَمَا تَرَكُوا أَنْ يَعْمَلُوا لِلِقَاءِ يَوْمِهِمْ هَذَا”.
فتوارد نصوص المفسرين على أن تفسير النسيان في حقه تعالى بمعنى “الترك”، يُصحِّح المراد من قول المصريين: “ربنا افتكره”؛ ليكون بمعنى: “رَحِمَهُ”؛ بدلالة قولهم: “افتكار ربنا رحمة”؛ وذلك بمفهوم المخالفة.
ولا يجوز إساءة الظن بحمل معناه على ما يدل عليه ظاهرُهُ اللغوي مِن نِسبة سَبْقِ النسيان إلى الله تعالى -حاشاه سبحانه وتقدَّس شانُهُ-، بل الواجب حملُهُ على المعنى العُرفي الحسن وهو الرحمة؛ وذلك بمفهوم المخالفة للنسيان؛ فإذا كان نسيان الله تعالى هو الترك من رحمته، فإن افتكاره سبحانه بِتَوَفِّيهِ عبدَهُ هو عين رحمته.
والأصل في المسلم أن يكون حسن الخلق طيب الذكر، وألَّا يتهم غيره بالباطل، فالمسلم الحق هو من سلم الناس من لسانه ويده.