متى فرض صيام شهر رمضان؟ .. سؤال ورد إلينا من المواطن أحمد عبدون من بولاق الدكرور سأل فيه عن بداية مشروعية صيام شهر رمضان، وهل هو حكر على المسلمين أم أنه فرض على الأمم السابقة؟
اختلف الفقهاء في تعيين أول صوم مفروض على المسلمين ، فذهب الأحناف وابن حجر من الشافعية إلى أن أول ما فُرض هو صيام يوم عاشوراء .
وزاد الأحناف: ثلاثة أيام من كل شهر . وقالوا : إن ذلك قد نُسخ بصوم رمضان ، بحيث يمسك الصائم من صلاة العشاء إلى غروب الشمس ، ثم نُسخ ذلك بقوله تعالى { أُحِلَّ لكم ليلةَ الصيامِ الرَّفَثُ إِلى نسائِكم هُنَّ لِباسٌ لكم وأَنتم لِباسٌ لهنَّ عَلِمَ الله أَنكم كُنتم تخْتانُون أَنْفُسَكم فتابَ عليكم وعفا عنكم فالآن باشِرُوهُنَّ وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشْربوا حتى يتبينَ لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسْودِ من الفَجْرِ ثم أَتِمُّوا الصيامَ إِلى الليل … } من الآية 187 من سورة البقرة . كما أنهم استدلوا على ما ذهبوا إليه بالأحاديث التالية :
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال { أُحيلت الصلاةُ ثلاثةَ أحوال ، وأُحيل الصيامُ ثلاثةَ أحوال – فذكر الحديث إلى أن قال – وأما أحوالُ الصيام ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدِم المدينة ، فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام.
وقال يزيد : تسعة عشر شهراً – من ربيع الأول إلى رمضان ، من كل شهر ثلاثة أيام وصام يوم عاشوراء ، ثم إن الله فرض عليه الصيام فأنزل الله عزَّ وجلَّ ( يا أَيُّها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصِّيامُ كما كُتبَ على الذين من قبلِكم … ) إلى هذه الآية ( … وعلى الذين يُطيقونُه فِدْيةٌ طعامُ مسكين … )
قال: فكان مَن شاء صام ، ومن شاء أطعم مسكيناً ، فأجزأ ذلك عنه ، قال : ثم إن الله عزَّ وجلَّ أنزل الآية الأخرى ( شهرُ رمضانَ الذي أُنزلَ فيه القرآنُ … ) إلى قوله ( … فمن شهدَ منكم الشَّهرَ فَلْيصُمْه … ) قال : فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ، ورخَّص فيه للمريض والمسافر ، وثبَّت الإِطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام ، فهذان حَوْلان
قال : وكانوا يأكلون ويشربون ، ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا ، قال : ثم إن رجلاً من الأنصار يقال له صِرْمة ، ظل يعمل صائماً حتى أمسى ، فجاء إلى أهله فصلَّى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح ، فأصبح صائماً ، قال : فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد جَهَد جَهْداً شديداً ، قال : مالي أراك قد جَهَدْت جَهْداً شديداً ؟ قال : يا رسول الله ، إني عملتُ أمسِ ، فجئت حين جئت ، فألقيتُ نفسي فنمت ، وأصبحتُ حين أصبحتُ صائماً.
قال : وكان عمر قد أصاب النساء من جارية ، أو من حرَّة ، بعدما نام ، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، فأنزل الله عزَّ وجلَّ ( أُحلَّ لكم ليلةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نسائِكم … ) إلى قوله ( … ثم أتِمُّوا الصيامَ إِلى الليلِ … ) – وقال يزيد، فصام تسعةَ عشر شهراً من ربيع الأول إلى رمضان } رواه الإمام أحمد ( 22475 ) وأبو داود والبيهقي . وروى مسلم وأحمد مثله عن عبد الله بن مسعود أيضاً.
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال { صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه ، فلما فُرض رمضان تُرِك ، وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه } رواه البخاري ( 1892 ) ومسلم وأحمد والبيهقي .
وفي لفظٍ ثان للبخاري ( 4501 ) ومسلم وأبي داود وأحمد من طريقه { كان عاشوراء يصومه أهلُ الجاهلية ، فلما نزل رمضان قال : من شاء صامه ، ومن لم يشأ لم يصمه } .
وعن عائشة رضي الله عنها { أن قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه حتى فُرض رمضان ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء فلْيصُمْ ومن شاء أفطر } رواه البخاري ( 1893 ) ومسلم وأبو داود والنَّسائي والترمذي . وروى البخاري ( 4504 ) ومسلم وأبو داود والنَّسائي والترمذي ومالك وأحمد والدارمي من طريق عائشة رضي الله تعالى عنها ، قالت { كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه ، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما نزل رمضان كان رمضانُ الفريضةَ وتُرك عاشوراء ، فكان من شاء صامه ، ومن شاء لم يصمه } .
وعن علقمة عن عبد الله – بن مسعود – رضي الله تعالى عنه قال { دخل عليه الأشعث وهو يَطْعَم فقال : اليوم عاشوراء ، فقال : كان يُصام قبل أن ينزل رمضان ، فلما نزل رمضان تُرك ، فادْنُ فكُل } رواه البخاري ( 4503 ) ومسلم وأحمد والبيهقي .
وعن الرُّبَيِّع بنت مُعوِّذ رضي الله عنها قالت { أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداةَ عاشوراء إلى قرى الأنصار : من أصبح مفطراً فلْيُتمَّ بقيةَ يومه ومن أصبح صائماً فلْيصمْ قالت : فكنا نصومه بعدُ ونُصوِّم صبيانَنا ، ونجعل لهم اللعبةَ من العِهْن فإذا بكى أحدُهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار } رواه البخاري ( 1960 ) ومسلم وابن خُزيمة وابن حِبَّان والبيهقي .
وعن سَلَمَة بن الأكوع رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً ينادي في الناس يوم عاشوراء : إِنَّ مَن أكل فليُتِمَّ أو فلْيصُمْ ومن لم يأكل فلا يأكل } رواه البخاري ( 1924 ) ومسلم والنَّسائي وأحمد وابن حِبَّان والدارمي .
وذهب الجمهور والشافعية في المشهور عنهم ، إلى أنه لم يُفرض قطُّ صومٌ قبل صوم رمضان ، واستدلوا على قولهم هذا بما روى حُمَيد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنهما يوم عاشوراء عام حجٍّ على المنبر يقول { يا أهل المدينة أين علماؤُكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هذا يوم عاشوراء ، ولم يَكْتُب الله عليكم صيامَه وأنا صائم ، فمن شاء فليصم ، ومن شاء فليفطر } رواه البخاري ولم يُفرض علينا صيامُه ، فمن شاء منكم أن يصوم فليصم فإني صائم ، فصام الناس }
وقد نطقت عدةُ أحاديث بفرض صيام شهر رمضان دون أن نجد حديثاً واحداً ينطق بفرض صيام عاشوراء ، أذكر منها على سبيل المثال :
عن طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه { أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس ، فقال : يا رسول الله … أخبرني بما فرض الله عليَّ من الصيام ؟ فقال : شهر رمضان ، إلا أن تَطوَّع شيئاً … } رواه البخاري ( 1891 ) ومسلم وأبو داود والنَّسائي وأحمد .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { بُني الإسلام على خمسٍ : شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإِقامِ الصلاة ، وإيتاءِ الزكاة ، والحجِ ، وصومِ رمضانَ } رواه البخاري ( 8 ) ومسلم والنَّسائي والترمذي وأحمد . ولا يُبنى الإسلام إلا على الفروض الواجبة ، بل ولا يُبنى إلا على الأركان .