الإثنين 16 سبتمبر 2024
الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

إن الطالب الأزهري قبل المرحلة الجامعية سواء كان في القسم علمي أم الأدبي يجمع في دراسته بين المواد الأزهرية ومواد وزارة التربية والتعليم، وهو في سنوات مراحل الدراسة لا يختلف عن وزارة التربية والتعليم في شيء، ولكن أهم ما يميز التعليم الأزهري في مرحلة ما قبل التعليم الجامعي هو الاستقرار في عدد المواد المقررة عليه، فلا حذف لهذه المواد ولا مجال لإضافة مواد أخرى إلا في حالة الضرورة القصوى.

وقد تعودنا أن التغيير في مؤسسة الأزهر أن يكون التغيير هادئا وبلا مفاجآت تصدم المجتمع بما لم يتوقعه، وأن يكون التغيير لمن سيلتحق وليس لمن التحق، لأن من التحق فهو قَبِل الالتحاق بناء على قانون ولائحة، وهذا يعد بمثابة عقد بين المؤسسة والطالب لا يجوز تعديله بالحذف أو بالإضافة مدة دراسة الطالب، ومن هنا جاء الاستقرار للمؤسسة وللطالب، وذلك بخلاف وزارة التربية والتعليم التي تتخذ قرارات في أهم مايخص الإنسان المصري دون تمهل أودراسة متأنية تنظر في المآلات التى ستترتب على تلك القرارات.

 ومن ذلك على سبيل المثال، أن وزارة التربية والتعليم في عهد وزيرها المرحوم الدكتور فتحي سرور قامت على عجل وبدون دراسات معمقة، أو مشاركة مجتمعية باصدار قانون من مجلس الشعب يلغي السنة السادسة من المرحلة الابتدائية، وفرح كثير من الناس بهذا القرار وهللوا، وطبل له الإعلام وزمَّر، ولكن الأزهر لم يتفاعل مع هذا القرار ولم يستجب له لأن الخبراء فيه أدركوا أن هذا سيؤدي إلى نقص جوهري في تكوين الجوانب العقلية والعلمية لدى التلميذ في مرحلة هو في أشد الحاجة إلى ذلك، وقد تنادى كثير من الناس بأن يتبع الأزهر وزارة التربية والتعليم في هذا الشأن ولكنه لم يفعل، ولقد ثبت- مع الوقت- صحة عدم توجه الأزهر لإلغاء السنة السادسة، وذلك عندما أدركت وزارة التربية والتعليم خطأها التاريخي في إلغاء هذه السنة بكل معطياتها العقلية والتعليمية لطالب هذه المرحلة، وبقي الاستقرار في الأزهر عنوان إجادة.

وفي هذه الأيام كررت وزارة التربية والتعليم  ذات الخطأ الجسيم حينما قررت بنفس طريقة إلغاء السنة السادسة من جهة السرعة، وعدم إجراء حوار مجتمعي، وبدون صدور قانون من مجلس النواب بإلغاء أو تهميش مناهج التاريخ والجغرافيا والمنطق،  وقبلهما اللغة العربية والدين، وكل المناهج التي تعرف بالعلوم الإنسانية، وهم بهذا يقوضون -  بقصد أو بدون قصد - الجهود التي قامت بها الدولة المصرية في العقد الأخير من أجل ترسيخ الهوية الوطنية لدى أبناء الشعب، فإن مكونات الهوية عند أي أمة من الأمم هي: التاريخ (التراث)، واللغة ، والدين والجغرافيا) ، ومعهم العقل الرشيد الذي يضبطه المنطق فيفهم ويعي ما يترتب على قيمة مكونات هذه الهوية فيحافظ عليها حتى لا تتعرض للذوبان والاندثار، وأمة بلا هوية تحتمي بحماها ما أشبهها بشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.

ومن وجهة أن وزارة التربية والتعليم بهذه القرارات أصبحت داعما قويا لمركز ( تكوين) في تحقيق أهدافه، بل أصبحت عنصرا من أهم عناصرها الفعالة في تحقيق أهدافهم وأجزم جزما قاطعا مؤكدا أن مؤسسة الأزهر لم ولن تتفاعل مع وزارة التربية والتعليم فيما ذهبت إليه مؤخرا من إلغاء أو تهميش مناهج العلوم الإنسانية مهما تعرضت من ضغوط من هنا وهناك، وذلك لأن قيادة التعليم في هذه المؤسسة يدركون خطورة هذا التصرف الذي سيؤدي في النهاية إلى تذويب الهوية المصرية والعربية والإسلامية.

 والأزهر بالدستور والعرف السائد منذ نشأته حتى الآن هو مسئول عن الحفاظ عن هذه العناصر الصانعة لهذه الهوية سواء الدين، أم اللغة، أم التاريخ، أم الجغرافيا، ومع هذه العناصر رشادة العقل الإنساني صاحب هذه الهوية  والأساس في هذه الرشادة منطقية التفكير الذي يجعله يميز بين الصالح والطالح ويستمسك بكل مكونات هويته، ومنطقية التفكير لا تتحقق إلا بعلم المنطق الذي همش ضمن ما همش من العلوم في وزارة التربية والتعليم.

وهذا يؤكد على استقرار التعليم في مؤسسة الأزهر، والذي يرسل  من خلال هذا الاستقرار دعوة للطلاب وأولياء أمورهم إذا كنتم تريدون الاستقرار التعليمي لأبنائكم، والأمان لمستقبلهم فليس أمامكم إلا الأزهر الشريف فاقصدوه بإخلاص نية وأهداف نبيلة سامية.
أما المقصود بالإبداع في مؤسسة الأزهر والذي جاء في عنوان المقال، فهي رسالة إلى هؤلاء الذين قد يتصورون بخيالهم المريض بأن استقرار التعليم في مؤسسة الأزهر معناه الجمود، والتوقف عن التطوير والتجديد،  أقول لهم في هذه الرسالة إن مع هذا الاستقرار يوجد إبداع في المناهج، ولكن من خلال المضمون الذي يتواكب مع احتياجات العصر، وليس بالحذف والتهميش ومن يتابع مضمون مناهج الأزهر في العشر سنوات الأخيرة سيذهله هذا التطوير الذي ينعكس على التفكير في أشياء كثيرة تتصل بعلوم العربية والشريعة الإسلامية.

آمل أن تراجع وزارة التربية والتعليم قرارها بحذف أو تهميش العلوم الإنسانية  لأن هذه العلوم هي التي تصنع الإنسان عقلا ووجدانا، وإذا وجدنا إنسانا سليما في عقله، نقي الوجدان والمشاعر فإن هذا الإنسان قادر على صناعة المعجزات في كل شيء ، وإذا نزعنا منه تفكيره الرشيد، ووجدانه النقي الرقيق، فقد فَقَدَ انسانيته، وفقد معها هويته.، وهدمنا كل ما حاولنا بناءه فيه لعشر سنوات مضت.

تم نسخ الرابط