يحتفل المسلمون في أرجاء المعمورة سنويا بذكري مولد خير الأنام نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ويقتصر الإحتفال على المعايدة وشراء الحلوى ولكن –بالتأكيد- ليس هذا هو المقصود والمعنى الحقيقي للاحتفاء بهذه الذكرى العطرة وانما هو الاقتداء بخلق رسول الله ولا ريب أن الاقتداء بخلق الرسول الكريم سيغير حالنا إلى أحسن حال.
لتأكيد ذلك –وهو لا يحتاج تأكيد- لنفترض أن أسرة المهندس محمد عبدالصبور الذي يعمل مديرا للادارة الهندسية في شركة المقالات العامة قد قرر واسرته الاحتفال الحقيقي بذكرى مولد النبي الامين وبدأوا فعلا في إتباع سنته صلى الله عليه وسلم.
وتغير الحال فبداية صلى المهندس محمد صلاة العشاء وتوجه إلى غرفة النوم لينام مبكرا اقتداء بسنة رسول الله واستيقظ مع الفجر فصلى الفجر وتناول افطاره واتجه إلى عمله نشيطا ومن ثم انجز اعمالا كانت تحتاج منه في السابق أيامًا بما يعني أن انتاجيته قد زادت فضلا عن تعاملاته مع مرؤوسيه ورؤسائه قد تحسنت.
ورجع إلى البيت وهو راضي عن أدائه وانعكس ذلك على تعامله مع زوجته التي تعمل مدرسة في احدى مدارس اللغات وكذلك مع يارا ابنته وهي في السنة الثانية الثانوي ومصطفي ابنه وهو في السنة الثالثة بكلية الهندسة.
تناول المهندس محمد طعام الغذاء الذي اعدته زوجته بعد رجوعها من المدرسة وجلس مع اسرته يحدثهم عن يومه ويسألهم عن ما قاموا به في يومهم، وصلى العصر ثم اخذ قسطا من الراحة واستيقظ ليصلى المغرب ثم تناول بعض الملفات الخاصة بعمله وقام بفحصها واخذ القرار المناسب وذلك حتى لا تتعطل مصالح العملاء. وعندما اذن مؤذن المسجد لصلاة العشاء توضأ ونزل ليصلي الفرض بالمسجد ورجع بعد الصلاة ليخلد إلى النوم.
اما زوجته فقد تحسن اداءها كثيرا في المدرسة حيث اتقنت عملها تصديقا لما جاء في حديث الرسول الكريم “إن الله يحب إذا عمل احدكم عملا أن بتقنه” ولاحظت مديرة المدرسة ذلك فاثنت على عملها ووعدتها بوضع اسمها في قائمة مكافآت الاجادة.
اما مصطفى فأصبح منتظما في حضور كل المحاضرات واكتشف أن ذلك كاف لفهم المواد العلمية ومن ثم قرر التخلي عن الدروس الخصوصية وتوفير تكاليفها، بل وأكتشف أيضا أن مع حضور المحاضرات يمكنه الحصول على تقديرات مرتفعة، وبالطبع انعكس ذلك على نفسيته وأصبح محبا لحضور المحاضرات والمذاكرة، فقرر التخلي عن الذهاب يوميا إلى الكافية الذي كان يجالس فيه أصحابه وان يكتفي فقط بالذهاب إليه في عطلة نهاية الأسبوع، وأدى ذلك إلى توفير نفقات الجلوس يوميا في الكافية وبالتالي أصبح مصروفه يكفيه بل واستظاع ان يدخر جزءا يسيرا منه.
ولم يختلف الحال مع يارا فاصبحت تركز اثناء الحصص الدراسية في مدرستها، مما ارتفعت معه درجة استيعابها وأصبح كافيا أن تراجع دروسها يوميا بعد المدرسة بمفردها، فقررت التخلي عن الذهاب لدروس خصوصية وانها إن واجهت مشكلة في فهم بعض النقاط فعليها ان تسأل معلماتها في المدرسة او تتابع البرامج التعليمية في التليفزيون.
وبعد مرور عدة أشهر من اتباع النهج النبوي الذي اتبعته أسرة المهندس محمد جلست الأسرة لتراجع حياتها فوجدت ان مجرد إقلاع الأب عن التدخين وفر ما يقارب ثلث دخل الأب وأن تخلي الأبن والبنت عن الدروس الخصوصية وفر ما يقارب ثلث دخل الأسرة. هذا من ناحية النفقات اما من ناحية الدخل فقد زاد دخل الأب والأم نتيجة إتقانهما لعملهما حيث زادت مكافأت الإجادة لكليهما.
وقرر المهندس محمد اصطحاب أسرته في رحلة في نهاية الأسبوع لزيارة أثار مصر القديمة، وقضاء اليوم باكمله خارج المنزل وبشرط عدم اخذ أي مأكولات أو مشروبات معهم من البيت وأن يتم شراء كل المأكولات والمشروبات أثناء الرحلة حتى تشعر الأم بقسط من الراحة من الأعباء المنزلية. ورجعت الأسرة من رحلة اليوم الواحد سعيدة متجددة النشاط والحيوية وقررت تكرار التجربة في اماكن أخرى في عطلات نهاية الأسبوع.
تخيل معي عزيزي القارئ شيوع هذه الفكرة بالإحتفاء بمولد رسولنا الكريم إحتفاء حقيقيا بين الأسر في مصر ماذا سيكون العائد؟ لا ريب أن العاذد سيكون عظيما متمثلا في منتجات بجودة عالية وبأسعار مناسبة وإختفاء الغش والتدليس والكذب والرياء والنفاق والفساد بكل صوره وعدم التبذير في كل الأمور وإختفاء الوساطة والمحسوبية، فضلا عن سيادة المودة والرحمة والسلام بين المواطنين، وانعكاس ذلك في أنخفاض نفقات الأجهزة الرقابية والشرطية، فضلا عن زبادة الإنتاجية وتدني الفاقد بكل أشكاله، وما لذلك من أثر إيجابي على ميزانية الدولة العامة، ومعه يقل الإقتراض الداخلي والخارجي وتتحسن قيمة العملة والسيطرة على الأسعار، وبالطبع سينعكس كل ذلك بأثار إيجابية على المواطنين في صورة تحسن مستويات معيشتهم.
أ.د. هشام حنضل عبدالباقي الجعبيري
رئيس قسم الاقتصاد – كلية التجارة – جامعة المنصورة
Email: [email protected]