الأحد 08 سبتمبر 2024
الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
دكتور غانم السعيد
دكتور غانم السعيد

كان الريف المصري قديما هو الملجأ الآمن حينما نحتاج إلى قلوب نقية صافية تحتوينا، وإلى نفوس طيبة تهدهد علينا في حنو ومودة تنسينا فزعنا الدائم وقلقنا المستمر من كل ما حولنا في المدينة، وإلى أرواح سامية متوضئة بالأخلاق والقيم النبيلة تمتص ما فينا من طاقات سلبية، وتمدنا بطاقات إيجابية تحيي الأمل والطموح فينا.
هكذا كان الريف في زمنه الماضي، ومن أجل هذا كنا نهرول إليه لنرتاح فيه ولو قليلا من عنت المدينة وجوها الكئيب، وما يجوب في شوارعها من صراع مادي لا يتوقف ليل نهار.
ولكن - وما أقساها من لكن -  أصبح الريف وأهل الريف اليوم أشد قسوة وأغلظ أكبادا من أهل المدينة، فسادت فيه كل السلبيات وتحولت إلى نمط حياة، فالأنانية، والحقد، والحسد، والغيبة، والنميمة، والغدر، والخيانة، والغش والتدليس، وشهادة الزور،  ونصرة الظالم على المظلوم صارت من أهم الصفات السائدة عند أهلنا في الريف إلا من رحم ربي.
ومن أجل أن يضيعوا الحقوق، ويساعدوا على ظلم ضعفائهم تحولت مجالسهم العرفية عن غايتها النبيلة من تحقيق الصلح والوئام والمحبة إلى أداة لتقنين الظلم وخذلان المظلوم، وتجريد صاحب الحق الضعيف من حقوقه ومنحها للظالم الذي كانت يده مع أعضاء اللجنة سخية، ورشوته لهم كانت بطريقة ذكية، لا تستطيع نفوس أعضائها الضعيفة التي جبلت على الأكل الحرام والاستمتاع به أن تقاوم ما يعرض عليها من مال حرام فيحولون الحق إلى باطل والعكس صحيح، حتى صاروا يقولون: إذا أردت أن تضييع حقا، وتظلم مظلوما طالب بجلسة عرفية.
كما تفوق ريف اليوم على المدينة في فظاعة الجرائم التي ترتكب من قتل، وسحل، وتمثيل بالجسس عيانا بيانا وعلى رؤوس الأشهاد بعد أن غابت عنهم النخوة والشهامة والمروءة، فلم تعد تجد في القوم رجلا رشيدا تهزه مشاهد ذبح القريب لقريبه، ولا الأخ لأخيه فينهض نصرة للحق- لرأب الصدع وجمع الشمل.
لقد قست قلوبهم وتجمدت، وتجرد الإنسان الريفي- الذي كان يوما يهزه الحزن لأقل سبب، ويتلظى أسفا لمجرد أن يرى دما مهراقا، أو مظلوما مقتولا-  لقد تجرد من كل معنى نبيل، وإنسانية رحيمة.
لقد تحول ريفنا الذي كان في زمن الآباء والأجداد مصدر أمان واطمئنان إلى مصدر قلق ورعب وفزع بعدما شاعت بين أهله السرقات التي يمارسها- للأسف- أبناء العائلات ومن لهم جاه وسلطان، وما ذاك إلا لأن المخدرات أخذت بعقول شبابهم، فغابوا عن وعيهم فلا يتنبهون إلا بعد أن يخرج المخدر من أجسادهم، فينهضوا وهم تحت تأثير المخدر ليسرقوا كل شيء يقع تحت أيديهم،  ليحصلوا على المخدر الذي لا يستطيعون العيش بدونه، ولهذا السبب ترتكب أبشع الجرائم.
وصار لا يمر يوم إلا وتسمع في بيوت كثير من أهلنا في الريف صخبا وضجيجا وبكاء وعويلا، فهذا قد سرقت مواشيه وأغنامه، وذاك سرقت شقته ومعها ذهب زوجه وأولاده، أو دراجته البخارية ( الموتوسيكل) الذي يقضي عليها حاجاته واحتياجاته، أو ( تروسكله) الذي يفتح له بيته من خلال عمله عليه، كما تجد عروضا تنتهك، وفواحش ترتكب، بلا مبالاة، والبعيد عن الحدث يقول نفسي نفسي، ولا يدري أن نفسه إذا سلمت اليوم فلن تسلم غدا.
كان يقال زمان إن الريف هو خزان القيم والأخلاق الذي يستمد منه الوطن قوته وعزته وتماسكه، أما اليوم فقد أصبح الريف المصري مصدرا لأسوأ الأخلاق، وأفظع الجرائم والبلطجة التي تزرع الخوف والفزع ليس في الريف فقط، بل في كل ربوع الوطن.

تم نسخ الرابط