الدكتور محمد العاصي يكتب: أزمة العملة وتقييد الواردات المصرية .. رؤية اقتصادية لهيكل ميزان المدفوعات المصري
في عصر الاقتصاد المترابط، تصبح مشكلة ميزان المدفوعات أمرًا يتطلب تحليلًا دقيقًا ورؤية فنية. يعتبر البعض أن تقييد الواردات هو الحل المناسب لتلك القضية، ولكن التحليل يظهر أن هناك تفاصيل دقيقة تستحق الاهتمام.
إن فهم هيكل الواردات يلقي الضوء على دورها في الاقتصاد المصري. يظهر تحليل الهيكل السلعي للواردات أن 11.59% منها تتجلى في مواد خام تدخل في الإنتاج المحلي، مما يعزز التنافسية ويحد من ارتفاع التضخم. بالإضافة إلى ذلك، تمثل الواردات الاستثمارية نسبة 14%، تستخدم في تطوير القدرات الإنتاجية، وتسهم في الحد من التضخم وزيادة الصادرات وفرص التوظيف.
معظم هذا التأثير ينسجم أيضًا مع السلع الوسيطة، حيث تشكل 46.85% من الواردات، وهي عنصر أساسي في دعم الدورة الاقتصادية. فمن خلال فحص الهيكل السلعي، يظهر أن فرض قيود على الواردات قد يؤدي إلى زيادة في عجز الميزان التجاري بدلاً من تقليله. تؤكد البيانات الأخيرة لمصر في ديسمبر 2023 هذا التأثير، حيث شهدت انخفاضًا بنسبة 22% في صادراتها و21% في وارداتها خلال التسعة أشهر الأولى من العام.
إن استشراف سياسات التجارة الخارجية يحتم علينا أن ننظر بانتباه إلى الهيكل الاقتصادي، وندرك أن الواردات ليست كتلة واحدة بل مجموعة متنوعة من المكونات. يتطلب التحديث المستمر للبنية الاقتصادية توجيه الاهتمام نحو فهم تأثيرات كل مكون بشكل فردي وتعزيز التوجه نحو مزيد من التنمية الاقتصادية.
في زمن التكامل الاقتصادي، يظهر أن تقييد الواردات قد يكون غير فعّال، بل يمكن أن يكون مضرًا. يجب أن نكون حذرين في تصنيف الواردات كوحدة واحدة، وبدلاً من ذلك، ينبغي علينا فحص تأثيرات كل عنصر بدقة لتحقيق التوازن الاقتصادي والاستفادة القصوى من التدفقات التجارية.
يجب التركيز على زيادة الصادرات المصرية من خلال تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد المصري.أيضا يجب دعم الإنتاج المحلي من خلال توفير المواد الخام والسلع الاستثمارية بأسعار مناسبة. كما يجب تسهيل إجراءات التجارة الخارجية لجذب الاستثمارات الأجنبية.
وجملة القول أن تقييد الواردات يُعد سياسة خاطئة في ظل الهيكل السلعي الحالي للواردات المصرية. فعلى المدى الطويل، سيؤدي تقييد الواردات إلى انخفاض الإنتاج المحلي وزيادة التضخم وتقليل فرص العمل.
لما كان الطريق الوحيد الآن أمام المستوردين هو الاستيراد عن طريق حصيلة تصديرية وباقي المستوردين لم يتم التدبير لهم بالبنوك..، فاتجه كثير من المستوردين الي تصدير منتجات مواد أولية ومنتجات زراعية بأسعار بخسه في الأسواق الدولية من أجل عمل حصيلة مما أضر المصدرين المصريين
ومن ناحية أخري تم عمل فواتير صادر بقيمة أعلي من القيمة الحقيقية وتحويل مبالغ على كل شحنة بتلك القيم من أجل استخدام تلك الحصيلة من النقد الأجنبي في عملية الاستيراد أو بيع الحصيلة بنسبة من 4 الي 8 % إلى مستورد لكي يستورد بها وبالتالي ارتفاع في تكلفة الاستيراد.
وهنا يتبادر الي ذهن القارئ من أين يأتي المستوردين بفارق الثمن من النقد الأجنبي في الخارج؟
الإجابة من تحويلات المصريين بالخارج حيث يتم التواصل مع المقيمين في الخارج وشراء النقد الأجنبي منهم بسعر السوق الموازي في بلد الاستيراد وليكن الامارات وتسليم القيم بالجنيه لأهلهم في مصر..، وبالتالي حرمان القنوات الشرعية من هذا المورد الهام للنقد الأجنبي.
وبالتالي حتي البضائع التي تصل مصر في ظل قيود الاستيراد تلتهم من تحويلات العاملين في الخارج، ترفع من تكلفة الاستيراد وبالتالي من تنافسية الصادرات وزيادة التضخم في مصر وأخيرا وليس بأخر الاضرار بمصدرين ما قبل الأزمة لظهور منافسين محليين هدفهم عمل حصيلة تصدير حتي ولو باع بخسارة 3 % أحيانا.
والخلاصة يجب إجراء دراسة مستفيضة لمكونات ميزان المدفوعات بجوانبه المختلفة وتبني سياسات اقتصادية هدفها تعظيم الاستفادة من تلك المكونات كلها اي اننا نحتاج إلى سياسة شمولية تتضمن كل الجوانب حتى لا نهتم بجانب على جانب أخر.
د. محمد العاصي استشاري التجارة الخارجية و دكتور الاقتصاد بمعهد راية العالي للادارة والتجارة الخارجية بدمياط الجديدة
Email: [email protected]