الفساد والاقتصاد
في إطار احتفاء هيئة الرقابة الإدارية باليوم العالمي لمكافحة الفساد، توقع الهيئة إتفاقيتي تعاون مع وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي، والشباب والرياضة لدعم التنسيق والتعاون مع الهيئة في القضايا ذات الصلة، واطلقت الهيئة أيضا المرحلة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2033 – 2030م
وقد يثار تساؤل عن علاقة الفساد بالاقتصاد: هل يؤثر الفساد في الاقتصاد؟ أم يؤثر الاقتصاد في الفساد؟ للاجابة على هذا التساؤل يجب بداية توضيح مفهوم الفساد من الناحية الاقتصادية.
يقصد بالفساد القيام بأعمال تؤدي إلى إهدار جزء من موارد الدولة أو إعاقة الاستفادة الكاملة من تلك الموارد، فقد لا يؤدي العمل الفاسد إلى إهدار مورد اقتصادي ولكنه يعطل الاستفادة منه سواء بشكل كامل أو بشكل جزئي، فمثلا قيام أحد المسئولين بتعيين فرد ما في وظيفة ما مع وجود من هو أكفأ منه لتلك الوظيفة، يؤدي إلى تعطيل إستفادة المجتمع من كفاءة الشخص الذي لم يعين، ومن ثم خسارة المجتمع للانتاج –سواء كان ماديا أو غير مادي- الذي كان سيضيفه الشخص المقصود.
ولكي نتصور مدى التأثير السلبي لذلك، افترض أن مديرا لمصلحة ما أو مسئولا عن التوظيف في مؤسسة ما قام ولمدة سنوات في توظيفه لكوادر جديدة بإتباع سياسة تعيين الأسوء أو الأقل كفاءة، فإن الخسارة الناجمة عن تلك السياسة السيئة والمسئول عنها شخص واحد تكون كبيرة على موارد المؤسسة التي ينتمي إليها الشخص الفاسد المعني، وقد لا يمكن أن تتحملها ميزانية تلك المؤسسة ويمكن فقط تحديد لتك الخسارة بالفارق بين الإنجاز الذي كان من الممكن تحقيقه في حالة تعيين الأشخاص الأكفاء والإنجاز المتحقق في حالة إتباع سياسة الشخص الفاسد المذكورة.
والآن نعود إلى السؤال عن علاقة الفساد بالاقتصاد الواقع أن كليهما يؤثر في الآخر، فالفساد يؤثر سلبا على الاقتصاد من خلال إهدار الموارد الاقتصادية والتي تتسم بالندرة، فوجود الفساد فى المشروعات يجعلها أقل ربحية إذا ما قيست بمعيار التكلفة / العائد، كما أن البيئة الفاسدة في الاقتصاد تدعم منظومة الفساد وتقويها وتجعلها أحيانا أسلوب حياة، فمثلا إذا انتشرت الرشوة فقد يصعب الحصول على الحقوق إلا بعد التورط في الرشوة.
ينتشر الفساد فى الدول النامية بصورة أكثر منها فى الدول المتقدمة وتتعدد أشكاله. ويطيب لنا التفرقة بين عدة أشكال من الفساد، فهناك الفساد الخاص، والذي يضر بمصلحة أو منافع شخص معين أو تضيع فرصته في الاستفادة من مورد ما أو تضيع فرصته في الحصول على حق له.
وهناك الفساد العام والذي يوثر على المال العام فإستغلال الموارد الاقتصادية في غير مكانها الصحيح مثال على ذلك لا يجوز مثلا الاقتراض من أجل تمويل أو صيانة مشروعات قائمة أو الاقتراض من أجل دفع مرتبات العاملين في مؤسسة ما، وكذلك لا يجوز الاقتراض لتمويل صيانة أو إعادة رصف طرق قديمة، فالاقتراض يجب أن يكون من أجل تمويل مشروعات استثمارية جديدة بعد إجراء دراسات الجدوى الاقتصادية لها، ومن هنا يجب على متخذى القرار الاقتصادى والسياسى الاسترشاد بهذه القاعدة عند إتخاذ القرارات الاستثمارية والاقتصادية.
ونفرق أيضا بين الفساد الصريح والفساد الضمني، فالقيام بأخذ أو طلب رشوة هو فساد صريح واضح، أيضا عدم القيام بما تقضيه المصلحة العامة تمثل مثال آخر على الفساد الصريح، فمثلا إتخاذ قرار غير سليم بالانفاق أو منع الانفاق في مجال مجدي هو نوع من أنواع الفساد الصريح. بينما يتجلى الفساد الضمني في عدم القيام بالقرار المناسب في الوقت المناسب بالشكل المناسب، فالتكاسل أو التسويف أو عدم القدرة أو التهاون في القرار قد يهدر موردا اقتصاديا أو يضيع فرصة الاستفادة الكاملة من مورد اقتصادي. وفي رأينا أن الفساد في إتخاذ القرارات في المؤسسات العامة كالوزارات والجامعات والنوادي وغيرها من المؤسسات التي تدير أموال عامة يملكها الشعب هي من أخطر أنواع الفساد نظرا لأنها تضر بمصلحة المواطن العادي والذي قد لا يدرك حجم ولا مدى تأثير تلك القرارات الفاسدة عليه وعلى مصالحه.
إن عملية مقاومة الفساد الاقتصادي عملية هامة يجب أن تتصدى لها الدولة بكل مؤسساتها الرقابية ولابد من إشراك وتعلية دور المواطن العادي في كشف أماكن الفساد والإبلاغ عنها من خلال تدعيم الإحساس بالمسئولية الوطنية لديه، كما يجب إتسام القوانين واللوائح بالشفافية التامة وتجنب النصوص التي تحتمل التأويل. لا ريب أن العمل على مقاومة الفساد لا يقل أهمية عن العمل على تحفير المواطنين على زيادة الإنتاج والإنتاجية.
أ.د. هشام حنضل عبدالباقي الجعبيري
رئيس قسم الاقتصاد – كلية التجارة – جامعة المنصورة
Email: [email protected]