الدكتور هشام حنضل يكتب: معضلة قيمة العملة المحلية «1»
يثار العديد من التساؤلات والجدل حول قيمة الجنية المصري وتعويمه وتأثير ذلك على الأسعار المحلية وعلى مستوى معيشة المواطن المصري.
وانطلاقاً من مسئوليتنا فإننا سنتناول في هذا المقال والمقالات التالية موضوع قيمة العملة المحلية وتأثيراتها على المواطن المصري وكذلك العوامل المحددة لها.
وبدايةً يجب التفرقة بين القيمة الداخلية للعملة أي إستخدامها في شراء سلع وخدمات محلية وهو ما يطلق عليه قيمة النقود أو القوة الشرائية للنقود، وتعني عدد الوحدات من السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بوحدة من العملة الرئيسة في الدولة.
وهناك علاقة عكسية بين قيمة النقود أو قوتها الشرائية والمستوى العام للأسعار، فإرتفاع الأسعار يعني إنخفاض قدرة النقود على شراء السلع والخدمات، فمثلاً إذا كان متوسط الأسعار خمسون قرشاً، فإن قيمة الجنيه هي شراء وحدتين من المنتجات، فإذا ارتفع المستوى العام للأسعار ليصبح جنيهاً فإن قدرة الجنية على الشراء تنخفض لتصبح وحدة من المنتجات فقط.
أما القيمة الخارجية للعملة فتعني قيمتها عند مبادلتها بعملة دولة أخرى في الأسواق الدولية، فإذا كان سعر الصرف بين الجنيه المصري والدولار الأمريكي هو 30 جنيها فهذا يعني أن قيمة الجنيه المصري في السوق العالمي تعادل 0.033 دولار، أي يمكن للجنيه المصري شراء منتجات بما يعادل قيمتها لـ 0.033 دولار.
ولتفهم قيمة النقود نبدأ من البداية أي بتطور النقود، حيث تم إختراع النقود للقضاء على مشكلات نظام المقايضة، والذي كان سائداً قبل وجود النقود، ويعني مبادلة سلعة بسلعة أخرى. استخدم الإنسان في البداية سلعية أو معدنية وتعني استخدام بعض السلع الهامة كنقود. تمتعت النقود السلعية والمعدنية بقيمتين: قيمة استعمالية نتيجة استعمالها كسلعة أو كمعدن وقيمة تبادلية بإستخدامها في شراء منتجات أخرى.
ويعد نظام الذهب أهم مثال على النقود المعدنية وأهم سمات نظام الذهب إرتباط بين المعروض من النقود في التداول وقيمة الذهب المتواجد لدى المصرف المركزي، والإلتزام بتحويل المعدن لنقد والنقد لمعدن فمثلاً لو كانت قيمة العملة الذهبية المتداولة مساوية لجرامين من الذهب عيار 18 مثلاً فبإمكان من يملك تلك العملة مبادلتها بما تساويه من الذهب والعكس من يملك الذهب فيمكنه مبادلته بما يساويه من العملة السائدة، أي أن العملة المتداولة تساوي تماماً ما يملكه المصرف المركزي من الذهب. وتكون قيمة العملة محلياً هي قيمة مساوية قيمة ما تساوية من الذهب، أما القيمة الخارجية (سعر الصرف) فيتم تحديده على أساس ما بكل عملة من ذهب والتي لا تتغير ومن ثم كان سعر الصرف بين العملات ثابتاً في ظل نظام الذهب.
ثم استعاضت الدول النقود الذهبية بنقود ورقية وكانت في البداية نقوداً نائبة تعادل ما لدى المصرف المركزي من ذهب. وأثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية توسعت الدول في إصدار النقود النائبة بما يفوق ما لدى المصرف المركزي من معدن، وأصبح من الصعب العودة لنظام الذهب مرة اخرى نظراً لقلة المتاح من معدن الذهب لدى الدول ومن ثم تم التخلي عن الإلتزام بالتحويل بين الذهب والنقود الذهبية، وأصبحت النقود المتداولة نقداً إلزامية وبالتالي انفصلت قيمة المعروض النقدي عما يملكه المصارف المركزية من معدن، أيضاً لم تعد هناك قيمة استعمالية للنقود، فالنقود الورقية لها قيمة تبادلية فقط داخلية وخارجية.
تتحدد القيمة الداخلية وفقاً للقانون بالقيمة الموجودة على العملة فالجنيه المصري يقبل في الداخل ويتبادل بوحدات من المنتجات تعادل قيمتها واحد جنيه، أما القيمة الخارجية للعملة أي سعر صرفها فيتحدد بعوامل كثيرة سيأتي تفصيلها فيما بعد.
وتطور النظام الورقي وأصبح هناك بعض العملات تتمتع بالقبول في الأسواق العالمية والبعض لا يتمتع بذلك القبول ويطلق على العملات ذات القبول العالمي “بالعملات الصعبة” والتي يمكن تبادلها عالمياً بالدولار أو الذهب، ومنها الدولار الأمريكي والجنيه الأسترليني.
ولتفهم سعر الصرف الحالي في النظام الورقي، نشير أن سعر الصرف لعملة ما يتحدد وفقاً لنظام الصرف السائد في الدولة. وتتمثل نظم الصرف في: نظام سعر الصرف الثابت وفيه تقوم الدولة بتحديد علاقة ثابتة بين عملتها الوطنية وعملة أو أكثر من العملات الصعبة. مثلاً دول الخليج – ما عدا الكويت- تربط عملتها الوطنية بالدولار الأمريكي وهي علاقة ثابتة، فنجد مثلاً أن مملكة البحرين تربط الدينار البحريني بما يعادل 2.64 دولار، أي أن نسبة التبادل بين الدينار البحريني والدولار هي 2.64 فمن يملك ديناراً يستطيع مبادلته بـ 2.64 دولار، وكذلك من يملك دولاراً يمكن مبادلته بـ 0.378 ديناراً وذلك في داخل مملكة البحرين.
ويأتي السؤال: كيف يتم تثبيت قيمة العملة المحلية في ظل نظام الصرف الثابت؟ في مقالنا القادم بحول الله سنتناول الإجابة على هذا السؤال وأيضاً نتناول بالتحليل نظم الصرف الأخرى.
أ.د. هشام حنضل عبدالباقي الجعبيري
رئيس قسم الاقتصاد – كلية التجارة – جامعة المنصورة
Email: [email protected]