محمود زعتر يكتب: خالي العزيز سيرة لن تموت
لم تنطو تلك اللحظات والذكريات، ويُنسى ما فات من تفاصيل متجذرة في الذاكرة والوجدان.
خالي العزيز “محمد فراج” كان يعمل مديرا باحد البنوك، وصفة الناس بأنه كان مخلصا في عمله وعطائه، عظيم الهمة نظيف القلب واليد واللسان.
بعزيمة فولاذية لا تلين وإرادة كالصخر كان عونا لمن حولة، يحنو على الجميع و كأنهم ابنائه، و دائماً ما كنت تسعى بنا و معنا لصلاحنا، ” يا أصدق الناس و أكرمهم…يا أعظم الناس و أقربهم إلى قلوبنا”.
ارتقت روحه إلى الأعلى ، تأملته كثيرا، كنت أدرك أنها النظرة الأخيرة، أحسست بلحظة انكسار لم أعشها طيلة حياتي، تحجرت الدموع في عيناي، تارك لوعة لا توصف وحرقة تعتصر القلوب ستبقى ترافقني ما دمتُ من الأحياء، كان يخفي علينا أوجاعة ويردد أنا “الحمد لله بخير”، إذا تعثّر من حولة، يهبّ مسرعة نحوه، ونسمع منه كلمة (ماتقلقش)، فأنت محظوظ كثيراً عندما تلمس يده، ما أجملها كانها الحنان وخديك وكفيك كأنما ينام فيها القمر.
ثقيل عليّنا الفراق، يخنقنا فيض العبارات الذي يعج بها صدورنا، وما أن أشرع في ذلك حتى تتجّمع ما تناثر من ذكريات، وتسيل الدموع بحرقة على الفراق، و يرجوها أن تبرّد نيران الحزن في جوفي، ممتلئة قلوبنا بالحزن والوجع، شاحبة الحياة في أعيننا وتغص حناجرنا ألما، ترجف أصواتنا رهبة وتفيض مدامعنا أسى.
رحلت جسداً، لكن ستبقي في الذاكره، ستظل قلوبنا تنبض حباً ووفاءً، أراك فى كل مكان.. فوجهك المبتسم لا يفارقنى أبداً.. ريحتك.. نظارتك..عُكازك.. ملابسك كلٌ على حاله فى غرفتك كأنك بعدت عنهم ولم تفارقهم.. أنت لم تمت فذكراك الطيبة حيّة على ألسنة الجميع وسيرتك العطرة يتفوّه بها القريب والبعيد وهذا سر صبرى على ألم الفراق.
مازلت محتفظ بوصيتك بزيارة قبرك وحدي، لأُحدثُك عن أشياء كثيرة أكتمها بصدرى وأبوح بها إليك حتى تستأنس بى وعندما وقفت أمام قبرك.. ثقُل لسانى عن الكلام.. وتوقفت جوارحي عن الحركة، لا أعلم عن أى شىء أحدثُك، وعن ماذا أتحدث، وبماذا أبدأ؟ فأجهشت بالبكاء حتى استحضرت «كل من عليها فان» فاطمأنت نفسي وبدأت ترتيل ما تيسر من القرآن الكريم لتأنسك فى وحشتك وتنور لك قبرك.. أدعو لك دوماً بالرحمة من الله والغفران فأنت أهلٌ لذلك بإذن الله وأن يحشرك الله مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.