عرضنا في المقال السابق تحليلا لحزمة التكيف الهيكلي: إصلاح القطاع العام والتحول للقطاع الخاص، وسياسة التسعير والاستثمار، وسياسات تحرير التجارة الخارجية.
قبل أن نتعرض لنتائج سياسات الصندوق على الاقتصاد المصري، نتطرق إلى بعض الملاحظات على السياسات التي تضمنها برنامج التثبيت الاقتصادي والتغيير الهيكلي والتي يمكن إجمالهافي الملاحظات التالية:
عاني الاقتصاد المصري خلال الفترة قبل الاصلاح بالركود التضخمي، ومن ثم فإن استخدام سياسة نقدية / مالية إنكماشية لا يعالج المشكلة بل على العكس يدعمها ويزيدها.
لا ريب ان القطاع العام شكل عبئا على الميزانية العامة نتيجة خسائر بعض شركاته المسنمرة، لكن لا يكون الحل هو البيع الكامل لغالبية شركاته والتحول من النقيض للنقيض، ولا سيما أن الخصخصة لها مؤيدين ومعارضين وكل منهما لهم حججهم ومبرراتهم.
استخدام سياسة مالية انكماشية من خلال إلغاء الدعم ولو جزئيا في بلد يتسم بإنخفاض مستوى الدخل يؤدي إلى إنخفاض الطلب الكلي وما لذلك من تأثير سلبي على الإنتاج والتوظف والدخل، ومع زيادة ذلك بصورة مضاعفة بفعل مضاعفات الإنفاق قد يؤدي إلى حالة ركود عام بالاقتصاد،وما لذلك من أثار سلبية كبيرة.
إتباع السياسة المالية الإنكماشية من خلال فرض ضرائب جديدة لها نفس التأثير، مثال ذلك فرض ضريبة المبيعات في 1991، وفرض الضريبة العامة على الدخل مع تحديد حد أدنى للإعفاء منها في 1994، وفرض ضريبة جديدة على الدخل الزراعي، وزيادة الضرائب على الاستهلاك وضريبة الدمغة مع خفض حد الإعفاء.
لا يجب أن يخفى على متخذي القرارات أن رفع الدعم عن الطاقة ولو جزئيا ومن ثم إرتفاع أسعارها يؤدي حتما إلى رفع أسعار غالبية المنتجات لإرتباطها بالطاقة إما في الإنتاج او النقل أو كليهما.
المغالاة أو فلنقل الإفراط في التفاءل ومن ثمالسياسات التي يمكن إنجازها في الاقتصاد المصري، وبالتالي تم إقرار حزمة سياسات وإجراءات يصعب تنفيذها، إما لأنها لها أثار سلبية كبيرة على الاقتصاد عند التنفيذ أو لضعف مرونات الإنتاج (العرض) والاستهلاك (الطلب).
لا ريب أن التحرر في استيراد المنتجات ولا سيما مع وجود عجز مستمر في ميزان المدفوعات سيؤدي إلى مزيد من العجز في ميزان المدفوعات من جهة، وإلى استنزاف الرصيد من العملات الصعبة، مما قد يشكل عائقا في تلبية احتياجات المواطنين من المنتجات الضرورية المستوردة.
كان لابد من تحري الدقة قبل تحرير الاستيراد وكذلك فرض أو زيادة الرسوم الجمركية، فيكون تحرير الاستيراد للمنتجات الضرورية التي لا يمكن إنتاجها محليا، وفرض الرسوم يكون على استيراد المنتجات الكمالية ذات مرونات الطلب السهرية والدخلية المرتفعة حتى لا تتأثر الفئات محدودة الدخل.
قبل ان نترك مشكلة ميزان المدفوعات نوجه أنه كان من الممكن العمل على علاج عجز ميزان المدفوعات من خلال دعم إنتاج المنتجات بديلة الوارادات في البداية مع التركيز على المنتجات التي يتمتع بها الاقتصاد المصري بميزة نسبية.
لا يغيب أن كل ذي بال أن تحرير سعر الصرف (التعويم) كما أن له العديد من المزايا من الوقوف على حقيقة قيمة العملة المحلية ورفع العبء عن البنك المركزي والحفاظ على رصيد الدولة من العملات الصعبة والتي تستخدم للحفاظ على سعر صرف معين، الإ أن استخدام ذلك في بلد يفوق المعروض من عملتها الطلب عليها سيكون له أثار سلبية صافية.
ارتفاع الأسعار المحلية سيمارس أثار إنكماشية على الاقتصاد من خلال إنخفاض الطلب الكلي ومن ثم الانتاج والتوظف والدخل، ويكون العبء كبير على محدودي الدخل. كما ان أنخفاض قيمة العملة المحلية سيؤدي إلى زيادة تكلفة استيراد المواد الاولية، ومن ثم مزيد من ارتفاع الاسعار المحلية.
وعلى الجانب الأخر لن يستفد الاقتصاد المصري كثيرا من الإنخفاض النسبي للأسعار المحلية بالنسبة للأسعار العالمية، ذلك للإنخفاض النسبي للصادرات المصرية.
وقبل كل ذلك أدى تفشي الفساد في مصر قبل ووقت تنفيذ سياسات برنامج الصندوق إلى العديد من السلبيات في اختيار سياسات البرنامج وأيضا في تنفيذها، ومن ذلك القيام ببيع بعض شركات القطاع العام على الرغم من نجاحها او على الأقل يمكن إجراء بعض الاصلاحات الداخلية لتفادي أشباب تعثرها.
أ.د. هشام حنضل عبدالباقي الجعبيري
رئيس قسم الاقتصاد – كلية التجارة – جامعة المنصورة
Email: [email protected]